تشهد الأيام الأخيرة، اتساعاً في الفجوة بين احتياجات الطلاب التعليمية-التربوية، وبين قدرات المعلمين المهنية، على مواكبة التغييرات الحضارية السريعة. حيث تزداد الحاجة إلى توظيف العديد من الوسائل والأساليب والاستراتيجيات التربوية الحديثة، للسعي نحو تطوير مهارات الطلاب على التفكير والبحث والنقد والاصغاء والانضباط، إلى الحد الأقصى الممكن. ومن أجل الوصول إلى المرحلة المرجوة؛ فعلى المعلم تطوير مهاراته في كافة المجالات التربوية، والاتجاهات المتعلقة بسبر أعماق الطلاب ومعرفة أرقى السبل للوصول إلى عقولهم وقلوبهم. لقد غدت المسيرة التعليمية، في عصرنا هذا، مشروعاً إنسانياً طويل الأمد، يحتاج إلى تحريك طاقات العلم والبحث والإبداع الداخلية للطالب، من أجل مدِّه بالدافعية والرغبة لتحقيق ذاته. ومع ذلك، فإن الاتجاه التربوي السائد في العديد من المؤسسات التربوية الحالية، ما زال يعتمد على طرق التلقين والتعليم التقليدية، التي تقلل من شأن الطالب، وتصنع منه متعلماً إتكالياً سلبياً، ينتظر دوره دوماً للمشاركة، وفي الوقت الذي يحدده المعلم، ووفقاً لما يراه. وقد يؤدي هذا، إلى كبت مواهبه، وإطفاء الشعلة الإبداعية لديه.


أن مصادر المعرفة والعلم المتوفرة للطلاب في هذه الأيام، متنوعة ووفيرة، ويمكن الوصول إليها بطرق سهلة وجذابة، دون الاعتماد على المعلم للحصول عليها. لذا لم يعد دور المعلم الهام، مقتصراً على توصيل المعلومات فقط؛ بل يتعدى ذلك بكثير. إذ أنه صار مسئولاً عن بناء شخصية الطالب الباحث والمفكر والناقد والمستقل؛ الذي يستطيع الوصول إلى المعلومات وتوسيع آفاقه ذاتياً.


يهدف هذا المقال إلى إلقاء الضوء على إحدى المهارات الهامة جداً، في مهنة المعلم. ألا وهي الاستراتيجيات التعليمية، وطريقة توظيفها كأداة تربوية فعّآلة ومؤثرة، لمساعدة الطالب على التفكير والتعلم والتقدم على جميع الأصعدة الإنسانية والفكرية والاجتماعية. حيث سيتم التطرق إلى أهم العوامل المسئولة عن توفير الجو التعليمي الملائم، والأشكال المختلفة للإستراتيجيات، وكذلك طريقة اختيارها من قبل المعلم.


ويقصد بالاستراتيجية : كل ما يتعلق بأسلوب توصيل المادة للطلاب من قبل المعلم لتحقيق هدف ما، وذلك يشمل كل الوسائل التي يتخذها المعلم لضبط الصف وإدارته؛ هذا وبالإضافة إلى الجو العام الذي يعيشه الطلبة والترتيبات التي تساهم بعملية تقريب الطالب للأفكار والمفاهيم المبتغاة. تعمل الاستراتيجيات بالأساس على إثارة تفاعل ودافعية المتعلم لاستقبال المعلومات، وتؤدي إلى توجيهه نحو التغيير المطلوب. وقد تشتمل الوسائل، أو الطرائق أو الإجراءات التي يستخدمها المعلم، على طريقة الشرح التلقيني (المواجهة)، أو الطريقة الإستنتاجية أو الاستقرائية؛ أو شكل التجربة الحرة أو الموّجهة .. الخ، من الأشكال التقليدية أو الحديثة المقبولة, وأَنّ الخطة التي يقوم بها المعلم لتنفيذ هدف تعليمي، هي الإستراتيجية التعليمية؛ وقد تكون الإستراتيجية سهلة أو مركبة. كما أنَّ الاستراتيجيات التعليمية تعتمد على تقنيات ومهارات عدة، يجب أن يتقنها المربي، عند توجهه للعمل الميداني مع المتعلمين. وقدرة المعلم على توظيف الإستراتيجية يعني أيضاً، معرفة متى يتم استخدامها، ومتي يتم استخدام غيرها أو التوقف عنها.ترتكز عملية التعليم بالكلية على مجموعة من الإستراتيجيات الحديثة مثل إستراتيجية التعليم التفاعلي والتعليم الغير مباشر والتعليم الذاتي بالإضافة إلى تطوير الإستراتيجية التقليدية المبنية على التعليم المباشر. ( يتبع)