روابط قد تهمك :
اخبار التعليم | سلم رواتب المعلمين | المناهج التعليمية | مكتبة التحاضير والعروض | اسعار السيارات | حراج السيارات | عروض السيارات


صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 9 إلى 16 من 18

الموضوع: أكــــــاديمية الأدب ..هنا متجدده ..

  1. #9
    مراقبة عامة الصورة الرمزية الحلم المستحيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    روح أمي
    المشاركات
    13,349
    معدل تقييم المستوى
    475

    رد: أكــــــاديمية الأدب ..هنا متجدده ..




    كيف أكتب خاطرة بصورة فنية ؟
    ضياع بين الماهية والكيفية .

    ما الخاطرة ؟
    باختصار ودون تشتيت لقارئ الكريم هي : ( ما يجول في النفس ، أو القلب من رأيٍ ، أو أمرٍ ، يختمر في يقظة الوجدان . )
    هذا بالنسبة إلى التعريف ، وللخاطرة تعريفات عدةّ ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق .
    والسؤال الذي يظل يصرخ في فكرك ووجدانك هو :

    كيف أخرج عن صمتي وأجعل من القلم حصاناً أعتلي صهوته ؟
    والجواب ببساطة شديدة جداً :
    لكل عملٍ تخطيطٌ ، والتخطيط يحتاج إلى تفكيرٍ واعٍ مدركٍ . ولتخطيط بناء خاطرة جيدة،اتبع ما يأتي :
    العنوان،المقدمة،العرض،الخاتمة

    أولاً : العنوان وهو ما يعطي القارئ إلماحة سريعة إلى مضمون الخاطرة ، فإما أعرض عنها،أو أقبل عليها .
    وعليك أن تتخذ عنوانًا مشوقًا لخاطرتك فهو بمثابة الدعاية لها .

    ثانياً : المقدمة وهي المفتاح للولوج إلى عالم النص ، فكيف لي أن أصنع مقدمةً مشوِّقةً ؟
    هذا راجع لكاتب الخاطرة ، فالبعض يكتب سؤالاً ، والبعض يعرض موقفاً ، والبعض يرسم صورة بيانية ، وهكذا تتغير طقوس المقدمات من كاتب إلى آخر ، ولكن لا تنسَ عنصر التشويق والجذب .

    ثالثاً : المتن وهو ما يهمني كثيراً ؛ لأن فيه عصارة الروح والفكر جميعاً .
    وسوف أبسط الأمر قليلاً هنا فتحملوا فلسفتي فأقول :
    أنت تكتب لكي تترجم فورة داخلية ، وهذه الفورة تحتاج إلى لغة تحتويها ، سعياً منك إلى إبراز المكنون الداخلي لديك بأدق تجلياته ، فتلجأ إلى الوعاء المعد لاستقبال هذه الحمم الوجدانية وهو اللغة .
    فتحاول أن تشد من مساحة هذه اللغة لتتسع لهذه الفورة فكيف يكون لك ذلك ؟
    قبل أن أجيب أسألك سؤالاً تعيشه غالباً ، وهو كيف تعبر عن صدق حبك لحبيبك ؟
    بالطبع سوف تجيب باللغة - يعني الكلام -.
    وهل كلامك لحبيبك ككلامك لشخصٍ آخر ؟
    كلا ؛ لأن وجدانك حدد مساحة لكل شخص ، وهندس بوعي منك لغةً لكل شخص ،
    فتحمّل الألفاظ ما لا تطيق من المعاني في كلامك لمحبوبك ؛ لتبين له صدق ما تحس به . بينما الآخر لا تكترث في لغة خطابه .
    فهل اكتشفت معي مخبزك اللغوي في فكرك ؟.
    العبارات تخرج خبزة من خواطرنا ، ولكن هل كل خبزة باستطاعتك أن تأكلها ؟
    لا وربي ، فعد إلى مخبزك وخمر العجين اللغوي جيداً لتحصل على خبزة لذيذة ، فأنت من يصنع وأنت من يأكل .

    كيف أصنع العبارات التي يتمثل بها الشعورُ تمثلاً حقيقياً ؟
    أنت تلتقط عن طريق الحواس الخمس ملايين المدركات ، وهذا ما نسميه الإدراك الحسي ( أي أن العضو الحاس من بصر أو غيره يلتقط الأشياء ثم يخزنها عندك في ملف الصور في المخيلة ) .
    ثم تأتي مرحلة أخرى وهي التصور ونعني به : ( استحضار الصور المخزنة في المخيلة ، دون تغيير في تركيبها )
    ونأتي إلى المخبز " التصوير " وهو: ( إبراز الصور المخزنة بعد تصورها في ذهنك إلى خارج الذهن بشكل فني )

    ما فهمنا أوضح بمثال .

    عين أمواج نزيف -دماء -ورداحتراق .

    ألا تعرف هذه الألفاظ ؟
    بلى ، هذا المدرك الحسي .
    حينما ذكرتها ألم تستحضرها في ذهنك ؟
    بلى ، هذا التصور عينه .
    هل تستطيع أن تقيم علاقة بين هذه الألفاظ ؟
    هاه .... لا أدري .
    هذا هو التصوير الذي يفتقده الكثير منا .
    سوف أربط فيما بينها في بيت واحد هو:

    عشقتُ عينَكِ ، والأمواج نازفةٌ=عشقتُها ودماءُ الوردِ تحترقُ

    فما مقصود الشاعر من قوله : الأمواج نازفةٌ ، دماءُ الوردِ تحترقُ ؟
    لاشك أنه قصد الدموع ، وأطرها بالنزف الذي لا يستطيع الإنسان رده ، وقصد الخدود التي تحترق من نزف الدموع المالحة التي تشعل الخدود .
    ما رأيكم ؟

    تذوقوا وأخبروني .

    أخلص مما سبق إلى أن التعبير اللغوي هو ما يصور التجربة الشعورية التي مرّ بها الإنسان .
    وهو سفيرٌ مؤثِّرٌ على شعور الآخرين بنقل التجربة الشعورية إلى نفوسهم،في صورة موحية ، مثيرة لانفعالهم . ومن هنا يستمد التعبير قيمته في العمل الأدبي .
    فعليك عند كتابة الخواطر أن تصنع الصور الفنية التي تجعل من تجربتك الشعورية شاخصة أمام القارئ .أما كيف تصنع ذلك ؟

    فلقد أوردت مثالاً في البيت السابق يوضح لك الأمر .
    كما أود أن أشير -بالإضافة إلى الصورة الفنية – إلى وجوب الربط العقلي بين العبارات ، فالعبارات سلاسل وكل سلسلة مصيرها بالأخرى .
    ولعلي أفرد في قابل الأيام موضوعاً منفرداً عن الصورة الفنية ؛ لذلك أكتفي بما ذكرت ففيه الفائدة .

    رابعاً : الخاتمة كالمقدمة تمامًا . المعول فيها على التشويق .
    والتشويق له ألوان عدة ولكن من يتحكم به هو الكاتب .
    ..............

    هذا درسٌ على عجالة ، وإلا فالأمر أعقد من ذلك بكثير وأكبر
    ألقاكم على خير بإذن الله تعالى
    (الدروس منقوله)




  2. #10
    مراقبة عامة الصورة الرمزية الحلم المستحيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    روح أمي
    المشاركات
    13,349
    معدل تقييم المستوى
    475

    رد: أكــــــاديمية الأدب ..هنا متجدده ..


    الكاتب والأخطاء النحوية والإملائية في النص

    لا يخفى على أي منا بان الأخطاء اللغوية في النصوص الأدبية هي حتمية مهما حاولنا تحاشيها حيث أن هناك وكما تعلمون نوعين منهم

    الأول: ويتعلق بالأخطاء المطبعية وهذه تكون ظاهرة للعيان وواضحة كوضع حرف قريب منه في اللحن بدلا من آخر أو تكرار الهمزة على نبرة وفوق الألف أو وصل الحروف ببعضها أو حلول حرف مكان آخر قريب منه على الطابعة ليعطي في النهاية معنا آخر. الخ الخ
    والثاني: ويتعلق بالإعراب وتصريف الأفعال في الجمل ووضع الصفة في مكانها ووزنها وإعادة الصفة للموصوف والمنعوت للناعت ووضع الهمزات وتتبع الفعل والفاعل والمفعول به وصرف كل منهم إلى مكانه ليؤدي عمله ويظهر اختصاصه.الخ

    وهناك نوع ثالث من الأخطاء وهي الأخطاء الصامتة التي لا يتناولها في النقد احد وهي اختفاء علامات التشكيل ( كالضم والكسرة والشدة والسكون وفي أحيان كثير الهمزة) حيث يضطر الكاتب إلى إسقاطها إما عن قصد رفعا لحرج قد يصيبه أو لسهولة كتابتها دون التوقف في كل مرة يبحث عن الهمزة أو علامات الرفع والنصب والكسر والشدة ليتركه معتمدا على ثقافة القارئ ومعرفته للغة ومقدرته على فهم الكلمة المقصودة في نصه.

    هذه المقدمة تضاف إليها مشكلة أخرى ألا وهي التصحيح اللغوي عن طريق البرامج ( كوورد مثلا)
    حيث يوقعك -لافتقاده إلى التقنيات اللازمة والضرورية للتصريف اللغوي ويفتقر إلى قاموس صحيح حيث تعتمد الشركات المنتجة والمحدثة له على ما يرفدها به مختصون اللغة العربية من مواد- في أحيان كثيرة في الشك فيما تكتب.
    وهذا ما يحصل معي في الغالب عندما اعرض نصي للتصحيح اللغوي فاكتشف بعد الانتهاء منه إلى استبدال حرف بدلا من آخر وسقوط همزة بدلا من المدة أو يضعك في حيرة باستبدال كلمة بأخرى لم تستخدمها في حياتك وتتساءل هل هي حقا موجودة في اللغة العربية ومستخدمة وهل وضعها صحيح أم لا إلى آخر هذه التساؤلات حتى أنني وعندما عدت إلى نصوصي القديمة والمكتوبة أثناء مرحلتي الإعدادية تفاجئت بعدم وجود مثل هذه الأخطاء
    لاعتمادي على الكتابة بالقلم من ناحية وانغماسي بكثرة المطالعة -التي هجرتها منذ زمن وعدت إليها أخيرا والتي تشحن الذاكرة بالمفردات والكلمات والمعاني حتى إذا ما احتجنا إليها كتبناها دون أن نعرف لماذا كتبت هكذا وما هي مكانتها من الإعراب أو الصرف.؟!

    وقلة هم الكتاب والمبدعين من يعطي كثير أهمية لذلك -ولو شعروا بالأسى لعدم تمكنهم منها- وتوقفوا عن ممارسة الكتابة لأجلها
    لان الكتابة شيء كالموسيقى والرسم هي موهبة قبل كل شيء وهي حالة من الغيبوبة تصيبنا ونحن نمارسها فإذا ما استيقظنا بعدها وجدنا نصا غريبا عما تمنيناه وكأنه من فعل فاعل خاصة إذا ما كان ينم عن حذق في التفكير وفطنة وإبداع فنحتضنه وندافع عنه ونحميه حتى يصل بنا الأمر لتجاهل الأخطاء فيه وكأنها وجدت لتبقى هكذا شئنا أم أبينا.؟!

    في البداية كنت أتساءل كيف يمكن لإنسان أي إنسان أن يمتنع عن الكتابة أو المطالعة خاصة إذا ما كان يتمتع بقدر عال من الإعجاب بالأعمال الأدبية وحب يتجاوز حد المتابعة بدافع الفضول إلى البحث عن غذاءه الروحي الذي يحتاجه وهذا ما يقودنا بالتالي إلى نقدنا لتلك الأعمال خاصة إذا ما شعرنا بان هناك أخطاء تشوه النص وتسيء له

    انه بلاشك حرصنا على أن يتمتع النص المعروض أمامنا بحد أدنى من الشروط لكي يكون مستساغا ومقبولا ويحمل إلى عقل وقلب قارئه المتعة والفائدة والتسلية.

    وسؤالي ذاك اخذ بي إلى ما وراء الإعجاب والهواية وحب المطالعة...إلى البحث عن الكمال.!

    الكمال في لغة النص،...
    الكمال في الصيغة،...
    الكمال في الحبكة،...
    وأخيرا الكمال الذي يجب أن يتمتع به الكاتب -أمام قراءه ونقاده- من خلق ولطافة ولباقة تصل حد الإذعان.؟!

    شيء يشبه الطاعة مابين الطالب ومعلمه.؟!

    فالأديب أو المبدع أو الفنان-هو كتلة من المشاعر يحمل هما عاما وريشة ومحبرة لنقل وتصوير هذا الهم ونقله إلى الآخرين بعبرته وتجربته فيضحك أحدا هنا ويثير الهلع هناك يعلم ويهذب سلوك هذا هنا ويثير غيظ الآخر هناك، يبكي،... يحزن،... يدخل الأمل إلى النفوس،... يحرض الناس على الثورة،... يدلهم على السعادة وينقلهم إلى عوالم من الخيال تملؤه المتعة والفائدة والسرور دون أن يتحركوا قيد أنملة من أماكنهم فتجدهم وهم ممدون على الشاطئ أو في الحافلة أو في أسرتهم وهم يذرفون الدموع أو يبتسمون ويضحكون وكأنهم في حضرة مهرج أو في صحبة محب. ويتلمسون بعضا من أمالهم وأمانيهم في تجارب مبدعيهم فيغفون على وقع الكلمات الساحرة ليستيقظوا وقد خبا صوت الشر في نفوسهم وأصبحوا أكثر دعة وتفهما ومحبة للآخرين.؟!

    ومن هنا يأتي أهمية تدارك الأخطاء في أعمالنا والعمل على تصحيحها والحفاظ على اللغة العربية سليمة ومتينة
    خاصة عندما نحاول أن نلقي بنصوصنا إلى النشر ونضعها بين يدي القارئ لمطالعتها وأحببنا أن نكون من طلائع الأدب وقدوة له وذلك لسبب جوهري وهام جدا ألا وهو تعويد القارئ على تكوين مفردات وجمل صحيحة وضمها إلى قاموسه اللغوي حتى يصبح فيما بعد قادرا على التعبير بلغته بشكل صحيح ومتقن دون أن يعرف السبب.

    لان اللغة قبل أن تكون عبارة عن حروف وإشارات ورموز وأفعال وكلمات هي قبل كل شيء أخر روح وقلب ومشاعر ووسيلتنا للتعبير عن هواجسنا وأمالنا وأحلامنا إنها بكل بساطة لساننا.

    والهاوي الموهوب الذي يكتب دون إذن بتلك اللغة التي أتقنها وعرفها ومارسها طوال حياته قد لا يدرك بان هناك لغة أخرى متعارف عليها لكتابة النصوص الأدبية حيث لا مجال للأحرف الأعجمية ولا للمفردات العامية ولا للأخطاء الإملائية ويكتشف إذا ما قابل احد المتمرسين باللغة بان كتاباته كلها تعج بالأخطاء ولا تصلح للمطالعة أو النشر وبان عليه أن يعود مرة ثانية إلى الإعدادية ليحفظ أصول التعبير وشروط الإعراب وبحور الشعر.

    وحتى لا أخوض حديثا طويلا حول اللغة وقد جندت لها مئات آلاف من الأحاديث والمقالات والنقد والمقابلات للحفاظ عليها كما هي دون تطوير بدعوى الحفاظ عليها من الضياع.
    أعود لأتساءل أليس الإنسان هو من وضع قوانينها.؟

    من هذا المنطلق ارتأيت وقد وقع بين يدي كتاب قيم لا يمكن أن أمر عليه دون أن أضعه بين يد الآلاف ممن يبحثون عن المعرفة حول اللغة العربية وأصول كتابتها خاصة وان مؤلفه العلامة الكبير والمفكر الأستاذ محمد الأفغاني حيث بين المؤلف نهجه في مقدمة الكتاب فيقول: ((جريت في تفصيل مواد الكتاب على خطة غير بعيدة فعنيت بالشواهد وانتقيتها بليغة من عيون كلام العرب في عصر السلامة، تنمية لملكة الدارس وتوسيعاً لآفاقه في إدراك أحوال أمته، لكون هذه الشواهد مصورة أحوال مجتمعات أصحابها أصدق تصوير، تصويراً لا نجده - بهذه الدقة والصفاء - حتى في كتب التاريخ نفسها، وهي متى استوعبت أعْوَد على الملكات من كثير من القواعد المحفوظة والتعليلات المكلفة. وجنبت الدارس الأقوال المرجوحة والمذاهب الضعيفة، مختاراً ما ثبتت صحته على الامتحان.))

    (إضغط على رابط الكتاب)
    http://www.syrianstory.com/pdf/comment6-8.pdf
    وهذا الكتاب هو (الموجز في قواعد اللغة العربية)


    منقول لأهميته

    وحتى يحين موعد الدرس القادم ألقاكم على خير بإذن الله


  3. #11
    مراقبة عامة الصورة الرمزية الحلم المستحيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    روح أمي
    المشاركات
    13,349
    معدل تقييم المستوى
    475

    رد: أكــــــاديمية الأدب ..هنا متجدده ..



    اليوم بنشطح شوي موضوعنا أجنبي مترجم لعل فيه الفائدة بإذن الله

    طوّر مهاراتكَ في الكتابة
    مدخل ...
    يقول الكاتب عبد الله أبو العنين في كتابه "لكي يكون لـ حياتنا معنى":
    "لا شك في أن السبب الرئيسي في عدم اتخاذ الكتابة هواية عند كثير من الشباب يرجع إلى الفكرة التي يذيعها بعض الكتّاب عن أن الكتابة موهبة، إذ أن ذلك جعل الشباب يفهم إما أن تكون الكتابة موهبة أو لا تكون ولذلك فإن كثيرين منهم لا يحاولون الكتابة إطلاقاً
    وإذا حاول البعض ذلك فإنه لا يستمر في المحاولة لمدة طويلة وإذا كان بعض كبار الكتّاب قال بذلك فإن بعضهم الآخر يقول بأن الموهبة في الكتابة لا تمثل إلا جزءاً من عشرة أجزاء وأما التسعة الأجزاء الأخرى فتتمثل في ممارسة الكتابة نفسها في صبر لا يعرف الملل.

    والشيء الذي لا ريب فيه هو أن الكتابة كذلك عادة تكتسب بالممارسة كما تكتسب أي عادة أخرى فنحن لم نعرف في تاريخ الكتابة الطويل كاتباً قد ولد وهو قادر على الكتابة دون أن يحاولها ويمارسها طويلاً وإذا كان هناك من يقول بأن الكتابة صعبة، فان صعوبتها تأتي من أنها تفكير، والتفكير صعب ولكننا حين نتعود عليه فانه يغدو سهلاً ميسوراً وما يصدق على التفكير يصدق على الكتابة كذلك إذ أنها بالممارسة الطويلة تصبح لا صعوبة فيها.

    ونحن نستطيع أن نتعود على الكتابة باتخاذها هواية نمارسها في أوقات فراغنا كما نمارس أي هواية أخرى. وقد نجد صعوبة في البداية ولكننا حين نستمر، فأننا نتغلب على هذه الصعوبة."


    ما هي الكتابة ؟


    إذا اعتبرنا أن الكتابة "نقل التّفكير بالكلمات من عقل لآخر" فبإمكاننا أن نرى أربعة مهارات رئيسيّة معقّدة يجب توافرها هي:

    طريقة تفكير مستقلة فبغيرها لن يستمتع أحد بقراءة ما نكتبه.
    القدرة على تنظيم أفكارنا فبغيرها سيرى القارئ الأشجار ولكنّ لن يرى الثمار فلن يستفيد منها.
    اختيار أفضل الكلمات المعبرة عما في عقولنا فبغيرها لن يفهم أحد ما نحاول التعبير عنه.
    خلق مساحة للقرّاء لملئها بخبرتهم الخاصّة فبغيرها ما كتبناه سينسى في الحال.
    هل تبدو هذه طلبات مستحيلة بالنسبة لك؟ لا تقلق، لأنّ الكتابة تتطلب عمل المستحيل من كلّ منا
    يمكنك التصديق بكل بساطة أن هنالك طرقا لتسلّق الجبل فلن تبلغ القمّة بسهولة، لكنّ بالتسلّق ستدخل البهجة للقلب والرؤية ستصبح أفضل باستمرار.

    استخدم هذا المنهج لتعلّم بعض الاستراتيجيّات البسيطة التي يمكنك استخدامها لتحسين مهاراتك في الكتابة.
    الشخصيّة

    الشخصيّة ليست مثل الإبداع لقد كان هناك مفكّرون مبدعون قليلون في كلّ التاريخ، لكننا جميعا فريدون في استجابتنا للعالم من حولنا وهذا ما تقوله الأغنية بشكل جميل "إنها نفس القصة القديمة، لكنها جديدة عليّ".

    تتركز المشكلة عند الكتابة في الثقة بالنفس نحن لا نثق في أصواتنا المنبعثة من داخلنا،
    لا نثق في عواطفنا، لا نثق في ملاحظاتنا واستنتاجاتنا إننا نخاف من ارتكاب ما قد يجلب لنا الاستهزاء.

    خذ النّوتة والقلم، اختر كرسيّك المفضّل وقل لنفسك:
    "سأكتب الآن شيئاً مهما بالنسبة لي". امسك بقلمك فوق النوتة ودوّن عواطفك وأحاسيسك ومشاعرك.
    هل تجد نفسك جريئا حينما تصورت أنه بإمكانك أن تكون كاتبا؟
    هل أنت قلق لما سيقوله عنك أفراد عائلك لأنك خرجت عن القاعدة؟
    هل تخشى من وجود شخص خفي يراقبك وأنت تفعل هذا "العمل الأحمق"؟
    هل يوجد في مخيلتك كاتب مشهور أو ناقد أدبي أو حتى أحد المدرسين في مدرستك يقلل من شأن كتابتك؟
    إن لم تشعر بأي من هذه الانفعالات المقلقة فأنت في ورطة.
    الثقة بالنفس هنا تعني أمران هما القلق عما سيقوله الآخرون عنك (و)مدى قدرتك على انتقاد ذاتك.
    يجب أن نزيد ثقتنا بأنفسنا.
    هل تتساءل الآن كيف؟
    الإجابة هي: بمواصلة الكتابة
    يجب أن نستمر في الكتابة.
    يجب أن نكتب بشكل يومي إن أمكن ذلك.
    الكتابة كنشاط عادي
    هناك طريقة واحدة لزيادة ثقتك بنفسك وهي الكتابة على أساس منظم.
    عليك محاولة الكتابة في معظم الأيام إن أمكن ذلك. وبداية اكتب لنفسك فقط.
    ليس للنشر، وليس للقراءة بصوت عالٍ للأصدقاء، وليس حتى للذرّية أو أحفادك المستقبليين.
    فبرغم كل شيء، لن تكون راغباً بأن يسمعك أحد في هذه الفترة.

    اشتر لنفسك نوتة كتابة واجلس معها كل يوم.
    بداية يجب أن تكون هنالك ورقة فارغة أمامك، فربما يكون لديك بعض الخوف في قلبك ولا يوجد برأسك شيئا تريد كتابته.
    اكتب شيئا واضحا، فقط لتبدأ به، مثل: أنا أجلس هنا الآن ولا يوجد برأسي أي شيء أكتبه.
    حسناً، ذلك لن يجعل العالم مشتعلاً، ولكن هذا لا يهم.
    أنت تتحدث الآن لنفسك فقط.
    بعد ذلك أعطي لنفسك مجالا للاسترخاء لفترة، حتى لو أخذت غفوة قصيرة.
    عاجلا أو آجلا، ستشدك ذاكرتك لفكرة، أو صورة، أو عاطفة، أو حدث حصل منذ فترة قصيرة.
    انظر إن كان بإمكانك وضع هذا الأمر في كلمات أم لا.
    اكتب بسرعة أو ببطء بما يناسبك، ولكن لا تكن قلقا من ناحية الجودة.
    حاول أن تستمتع بذلك، حاول أن تنطلق، أن تغضب، أن تحزن، لا تقلق على المنطق، اكتب كل ما يدور في رأسك، فأنت غير مراقب.
    لن يصدم أحد غيرك بما كتبته.
    وإذا صدمت، فقد يكون ذلك لأنك كتبت شيئا ممتعا.

    ماذا لو شعرت بالنعاس؟
    حسنا، ذلك أمر جيد.

    وماذا لو لم يأتني أي شي مع أني انتظرت طويلا؟
    أغلق النوتة، وقم بعمل أي شيء بمفردك.
    ربما القيام بالمشي قليلا، أو النظر في ألبوم للصور القديمة، أو الجلوس فقط والنظر للفضاء.
    ولتكن لديك الثقة بأن عقلك الباطن يعمل الآن.
    ربما تظهر النتائج غداً وربما بعد غد، ولكن عاجلا أم آجلا ستظهر الكلمات في عقلك، وتريد أن تُكتب.
    تمارين الكتابة

    ملاحظات:
    قد تضايقك بعض المشاكل التي لا تستطيع إيجاد حل لها.
    لذلك اكتب لنفسك، تجادل مع نفسك، ودع القلق في كلماتك.
    اترك ما كتبته ثم ارجع له في وقت لاحق.
    قد لا تجد حل المشكلة –فبض المشاكل لا توجد لها حلول- ولكن ينبغي أن تكون قد أنجزت نوعا من التوضيح.
    أي أنك قادر على التعبير بالكلمات.

    صور الكلمة:
    ارسم صورة ساكنة بالكلمات، وإن أخذتك الكلمات لمكان آخر اترك لها المجال لذلك.
    ارسم صورة بيت، شجرة، بحيرة، مكان ما بجانب مكان إقامتك.
    لا تذهب لهذا المكان أولا، وإنما حاول أن ترسمه من خلال ذاكرتك.
    ارسمه بالأبيض والأسود ومن ثمّ لوّنه. والآن اذهب لزيارة المكان الذي وصفته.
    أيّهم أكثر صدقا وأيهم أكثر خيالا وشاعرية صورة كلماتك أم الأصل؟

    العواطف:
    اختر حادثا معينا وقم بوصف عواطفك المركبة والمتناقضة التي انتابتك وقتها.
    حاول أن تفعل ذلك بعد وقوع الحادث بوقت قصير.
    الأصوات والروائح:
    حاول تمييز خصائص الصوت والرائحة.
    ودعها تقودك داخل الذاكرة.

    الحوار:
    هل تستطيع أن تتذكر ما قالوه وبماذا أجبتهم؟ هل تستطيع تذكر الكلمات التي نكررها، الكلمات التي يساء استخدامها، الكلمات التي توحي بأكثر من معنى؟ هل تستطيع إعادة تشكيل الحوار لإظهار جوهره وإبراز العواطف؟
    الخيال:
    قم بوصف نزهة في سيارة سريعة، أو قم بوصف الطفو على ظهرك في بحر هادئ. تخيّل السفر، التزحلق، الطيران الشراعي، التحليق، الانقضاض والابتلاع، الهبوط.
    حاول أن يكون اختيارك للكلمات وبناء الجمل يساهم في جعلك تعيش هذا الأمر.


    النقد الذاتي – الجزء الأول

    إلى هنا تكون قد اكتسبت عادة الكتابة بانتظام.
    اختر من نوتتك نصا من النصوص التي تعتبرها مهمة بالنسبة لك واطبعه في برنامج معالج الكلمات في كمبيوترك ثم اطبعه على الورق.
    أسند ظهرك على الكرسي وأمسك بيدك القلم والورقة المطبوعة وجهّز نفسك.
    ستقوم الآن بتصحيح كتابتك الأصلية.
    وهذه بعض الطرق المقترحة لعمل ذلك.

    التوازن:
    هل ينقل لك النص مدى أهمية الحدث الموصوف؟
    ربما يكون وصفك بسيطا وبحاجة لمزيد من التضخيم ليعطي ثقلا مناسبا للحدث الموصوف.
    استفد من كل الخبرة التي اكتسبتها من تمارينك على الكتابة وقرر ما إذا كانت الأوصاف الإضافية عمليات عاطفية أم تبديلات ضرورية في الحوار.
    ثم انتظر إن كنت تستطيع إيصال المشاعر بالحدث بشكل أكثر دقة بتغيير إيقاعه أو بتضمينه معلومات حسّية مختارة بعناية.

    الإحساس:
    هل كل الجمل التي تكتبها تولّد أحاسيس لدى القارئ؟ هل يمكن بكل أمانة أن تضع معنا لكل كلمة؟
    إذا وجدت بعض الكلمات الغير متأكد من معانيها فاستخدم القاموس لاستخراجها .
    هل المعنى المشار إليه في القاموس متوافق مع نيّتك؟ إذا كان الجواب لأي من هذه الأسئلة "لا" عليك مراجعة نصّك.
    حاول تبسيط جملك، فلا تستخدم الكلمات للإبهار، استخدمها لتبليغ ما ترمي إليه فقط.
    وكن دقيقا في استخدام اللغة.
    المزاج:
    ما نكتبه عبارة عن قوالب. كل قالب قد يكون فكرة، صورة، مشهد، زاوية كاميرا، أو حديث مع النفس.
    وكل قالب كذلك له لونه، عطره، إيقاعه، ومزاجه.
    انظر لاختيارك للكلمات.
    هل تتفق في المجاز أم تتضارب؟ افحص تشبيهاتك.
    ففي مشهد للحب الجارف، إن كتبت: إنه يبتسم مثل الهامبرجر، قد يكون هذا التشبيه ضارّا بالموقف.

    التكرار:
    قد يميل عقلك لكلمات معينة ويريد مواصلة استخدامها.
    ابحث عن هذا في مراجعتك لموضوعك واستعن بقاموسك لإيجاد المترادفات المناسبة.
    لكن تذكّر أن التكرار أفضل من استخدام كلمات غريبة أو غير مستخدمة.
    القوانين أو القواعد:
    الكاتب فنان، لذلك عليه أن يدفع نفسه للتأكد من جوانب النحو والإملاء وعلامات الترقيم الغير واثق منها.
    مهما يكن، إذا كان الكاتب واثقا من تشرّبه للقواعد، فيكنه حين إذن كسرها –إذا كان لديه سبب وجيه لعمل ذلك وإذا كان ما يكتبه ذا أثر جيد عند القراءة.
    القطع:
    عندما تبدأ بالكتابة تشعر وكأن كل كلمة في النص ثمينة ولكنها ليست كذلك.
    هذه بعض الطرق المقترحة لقطع الأجزاء الزائدة من نصك:
    · حتى إن كانت فكرة، أو تشبيه أو جملة رائعة، إن لم تكن ذات علاقة بموضوعك: تخلص منها.
    · أبرز نسخة من النص على جهاز الكمبيوتر، وحاول أن تمسح بعض الفقرات واطبع الموضوع على الورق ثانية.
    إذا لم يتطلب الموضوع إرجاع أي من الفقرات الممسوحة: فلا ترجعها.
    · انظر لحوارك، إذا كان هنالك سطر وحيد لا يكشف عن الشخصية أو يقود للقصة: استأصله.
    · أخيرا، عليك تحديد غاية كل جملة وكل كلمة وكل علامة من علامات الترقيم.
    هذه الخطوة هي الأخيرة وليست الأولى.

    احترم جمهورك
    المعرفة:
    دُعِيَ عالم ليحاضر في تخصصه، فسأل صاحب الدعوة عن مدى معرفة المستمعين.
    افترض أن صاحب الدعوة أجاب بأنهم جاهلون تماما لكنهم على قدر عال جدا من الذكاء.
    إن مراجعة جريدة النيويورك للكتب مثال جيد لهذا الأمر.
    فهي لا تتطلب منك معرفة أي شيء عن موضوع الكتاب المراجع.
    حيث يتم شرح الموضوع بإيجاز لتتم عملية توسيع مداركك بشكل مقبول.

    لكن هل هذا هو الطريق الصحيح لك ككاتب؟ أنا لا أعتقد ذلك.
    هناك نوعين من المعرفة يفضل أن تلمح أو تفصح بهما: معرفة خاصة ومعرفة عامة.
    المعرفة الخاصة هي تلك الأشياء التي يمكنك أنت والقريبين منك شخصيا أو جغرافيا فقط أن يعرفوها.
    يجب عليك أن تقرر ما إذا كان لدى قرائك أيضا هذه المعرفة أو أن عليك نسجها في روايتك.
    أما مع المعرفة العامة فلا حاجة لك بالإفصاح عن كل شيء فالتلميح كافي في كثير من الحالات.

    الفراغ: أشرك قراءك بالسماح لهم بقراءة ما بين السطور. ا
    لفلم التعليمي الذي يشترط شرح صوتي لما تراه على الشاشة من الأفضل أن يكون له أسباب قوية لذلك.
    وذلك لأن الأفلام التعليمية وسيلة للعرض البصري وليست للتعبير الصوتي.
    عند الكتابة، يجب أن يكون الحديث مقنعا، ولكن العرض يترك للقارئ مساحة فارغة ليملأها بتفسيراته الشخصية لربط ما تمت كتابته مع حياتهم وخبراتهم ومعرفتهم الخاصة. الكتابة الجيدة تكون هذا المزيج بشكل صحيح.

    القراءة بصوت عالٍ

    هذا هو وقت قراءة نصك المراجع بصوت عال.
    هل تتعثّر؟ إذن ربما يوجد خطأ ما في تركيبة جملك.
    حاول مراجعتها، وحاول تبسيطها.
    الفكرة الجيدة والصورة القوية ستنجو، مهما يكن فهنالك تقدم متواضع.
    النحو والقواعد الجيدة لكن تخفي التفكير الضعيف.
    عندما تشعر بتحسن نصك، سجله على شريط كاسيت أو على القرص الصلب.
    ركب السماعات وأغلق عينيك واستمع فقط ثم اسمعه ثانية وثالثة واسأل نفسك هذه الأسئلة:

    هل استمر لمدة طويلة جدا؟
    إن كانت الإجابة نعم، إذن عليك إجراء المزيد من الاستئصال.
    هل هنالك كلمات أو عبارات محزنة؟
    إن كانت الإجابة نعم، إذن عليك تبسيط قلم ومصطلحاتك.
    هل قمت بترتيب أفكاري وصوري بشكل متسلسل وواضح؟
    إن كانت الإجابة نعم، تهانينا.
    هل يمكنني سماع الموسيقى في نثري؟
    إن كانت الإجابة نعم، فذلك رائع.

    مشروع الكتابة

    بعد الكثير من التمارين التي ساعدتك على اكتساب المهارة أنت الآن جاهز للعمل.

    هيا لنبدأ معا:

    رسائل للأصدقاء: انفعل مع الخطاب، وتحرر من القيود، واكتب بسرعة، واحتفظ بنسخ منها.
    مفكرة: لا تحاول أبدا تسجيل كل شيء. اختر حادثا واحدا فقط حدث اليوم أو في الماضي فربما تساعدك تلك الأحداث لتأليف قصة مع الوقت.
    لأجيال المستقبل: جيلين من قصتك، مأساتك، سعادتك، حكمتك، حماقتك، شفقتك، ستصبح شيئا ذا قيمة بالنسبة لعائلتك ومن يقرأها قد يختار منها شيئا يناسب شخصيته.
    مقالة جريدة: الصحفي الذي يفهم الحقائق بشكل صحيح، ولديه فطنة وأسلوب نثري يزين به حديثه، بإمكانه أن يجد موضوعات قريبة بالقراء من حوله، يحولها بعد ذلك للطباعة.
    المقال: إن كان الهيكل والمنطق والتنامي المثير للأفكار هو ما يهمك، فعليك قراءة بعض المقالات ثم جرب واحدا.
    ابحث عن رفاقك الكتّاب وتناقش معهم.
    القصة القصيرة: لا تتوقع أن تنشر، ولكن التحق بجمعية أدبية أو حاول البدء في واحدة.
    أخيرا، أتمنى لك سعادة كبيرة في تسلق هذا الجبل. قد تكون هنالك مشقة، وقد يصيبك الدوار أو العواصف.
    ولكن لا تنسى أن المنظر والمشهد يتحسن ويصبح أجمل مع الوقت.






    ترجمة : خالد الحر

    بتصرف

    ألقاكم على خير بإذن الله


  4. #12
    مراقبة عامة الصورة الرمزية الحلم المستحيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    روح أمي
    المشاركات
    13,349
    معدل تقييم المستوى
    475

    رد: أكــــــاديمية الأدب ..هنا متجدده ..


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    أصول كتابة الخُطبة ، مع عرض نماذج لها



    الخُطْبَة : كلام منثور ، يُخاطِب به متكلم ٌ فصيح ٌ جمعًا من الناس لإقناعهم .
    على الخطيب أن يستحضر معاني الموضوع الذي يتكلم فيه ، وأن يلائم كلامه حال السامعين ؛ فيترتب على ذلك أنه يملك عليهم ألبابهم ؛ وتؤثر كلماته في نفوسهم ، وعندئذ تتحقق الأهداف التي من أجلها كُتبت خطبته .
    على الخطيب أن يراعي أمرين في خطبته ، وهما : الإقناع ، الإمتاع
    أمّا الإقناع فيعتمد على :
    نجاح الخطيب في مخاطبة عقول مستمعيه ، وقدرته على استمالة عقولهم مع ما يطرحه من أفكار ، وتتوقف هذه الاستمالة على ما يعرفه الخطيب عن مستوى تفكير مستمعيه ، لهذا نقول إنّ الخطابة فن ملائمة الكلام لأحوال المستمعين .
    وأمّا الإمتاع فيعتمد على :
    التنويع بين الأساليب الخبرية والإنشائية ، وإثارة عواطف المستمعين ، وتحريك مشاعرهم ، وجذب انتباههم ؛ عبر ما يضربه الخطيب من أمثلة تؤيّد ما يذهب إليه ، وعلى الخطيب أن يستخدم أساليب التوكيد المتنوعة ، وأن يتحرى وضوح الألفاظ ، والمعاني ، وقصر الفقرات والجمل .
    أجزاء الخُطبة :
    مقدمة - موضوع - خاتمة

    المقدمة :
    تشمل : حمد الله والثناء عليه ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ثمّ تمهيدا لعرض الموضوع.

    الموضوع :
    يشمل : عرض الأفكار الخاصة بالموضوع .

    الخاتمة :
    تشمل : تلخيصا لأهم ما تضمنته الخطبة من أفكار ، وفيها تركيز على الهدف الأساسي الذي يسعى إليه الخطيب .

    من أهم عوامل نجاح الخطيب :
    1- الموهبة .
    2- عدم تجاهل الأحداث ؛ فالخطيب الناجح هو الذي لا يُصيب الناس بالملل ، ولا ينفصل عن واقعهم ، فلا يدع للمستمع فرصة يسرح فيها ذهنه بعيدا عن موضوعه .
    3- استغلال الصوت ، و جذب الناس بنبراته التى تتنقل بين الحماسة ، والهدوء ، والترغيب ، والترهيب .
    4- مهارة الخطيب في ضرب الأمثلة ، والقصص ، والشواهد التي تخدم أفكار موضوعه في المقام الأول ، وتجذب أذهان الناس إليه ، وتدفع عنهم الملل .

    نماذج من الخُطب


    خطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع
    قال ابن إسحاق : ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حجه بعد أن أعلم الناس مناسكهم ، وسنن حجهم ، فخطب في الناس خطبته التي بيّن فيها ما بيّن ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
    " أيها الناس ، اسمعوا قولي ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا ، أيها الناس ، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا ، وكحرمة شهركم هذا ، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت ، فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، وإن كل ربا موضوع ، ولكن لكم رءوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون . قضى الله أنه لا ربا ، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله ، وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع ، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وكان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل ؛ فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية .

    أما بعد أيها الناس ، فإن الشيطان قد يئس من أن يُعبد بأرضكم هذه أبدا ، ولكنه إن يُطعْ فيما سوى ذلك ، فقد رضى به ممّا تُحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم ، أيها الناس ، إن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا ، يحلونه عاما ويحرمونه عاما ، ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله .

    إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات ، وواحد فرد ، ذو القعدة ، ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب الذي بين جمادي الثانية وشعبان .

    أما بعد أيها الناس ، فإن لكم على نسائكم حقا ، ولهنّ عليكم حقا ، لكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، وعليهنّ أن لا يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلنَ فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهنَّ في المضاجع ، وتضربوهنّ ضربا غير مبرح ، فإن انتهينَ فلهنّ رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف ، واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهنّ عندكم عوان لا يملكنَ لأنفسهنّ شيئا ، وإنكم إنما أخذتموهنّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهنّ بكلمات الله ، فاعقلوا أيها الناس قولي ، فإني قد بلغت ، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا ، أمرا بينا ، كتاب الله وسنة نبيه .

    أيها الناس ، إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا تجوز لوارث وصيته ، ولا تجوز وصية في أكثر من الثلث ، والولد للفراش ، وللعاهر الحجر. من أدعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفا ولا عدلا .


    أيها الناس ، اسمعوا قولي ، واعقلوه ، تعلمن أنّ كل مسلم أخ للمسلم ، وأنّ المسلمين إخوة ؛ فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه ، فلا تظلمن أنفسكم ، ولاترجعن بعدي كفارا ؛ يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

    أيها الناس ، إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى . ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد ، فليبلغ الشاهد منكم الغائب .

    اللهم هل بلغت ؟ فذكر لي أن الناس قالوا : اللهم نعم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم اشهد"




    ===========
    خطبة حجة الوداع خطبة جامعة ، تتسم بميزات أدبية خاصّة ؛ لِمَا لرسولنا - صلى الله عليه وسلم - من أسلوب بلاغي يقوم على جوامع الكلم ، فهي خطبة سياسية ، دينية ، اجتماعية ، تتصل اتصالا مباشرا بحياة أمّة في مختلف عصورها ، وهذه الخطبة أرقى نموذج على مخاطبة الناس ارتجالا .

    تحليل الخطبة :

    ما لوّن باللون الأزرق هو : المقدمة .
    ما لوّن باللون الأسود هو : موضوع الخطبة .
    ما لوّن باللون الأحمر هو : الخاتمة .

    اشتملت المقدمة على : حمد الله ، والثناء عليه ، وتهيئة النفوس لاستقبال الكلام ، بالتمهيد إليها بأنّ الكلام التالي من قبيل الوداع .

    اشتمل الموضوع على :
    بيان الأسس التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي ، فأوضحها - صلى الله عليه وسلم - تفصيلا ، وذكر أركانها في :
    - جرم سفك دماء المسلمين ، وأكل أموالهم .
    - عظم قدر الأمانة .
    - النهي عن الربا .
    - تأكيد تحريم سفك الدماء .
    - التحذير من الوقوع في مكائد الشيطان ؛ فقد يأس الشيطان من أن يُعبد في أرض الإسلام ، ولكنّه مع ذلك يرضى بالقليل مما نحقّره ، سعيا منه لإضلالنا .
    - النهي عن النسيء .
    - بيان عدة الشهور عند الله ، كما خلقها الله ، وتوضيح الحُرم منها .
    - من آخر وصاياه الكريمة - صلى الله عليه وسلم - وصيته الخاصة بالنساء ، وحُسن معاملتهن ، وبيان أسس العلاقة الزوجية ، وتوضيح لكلٍ من حقوق وواجبات الزوجين .
    - ذكر مقتضيات الإرث .

    اشتملت الخاتمة على :
    إجمال جميع العلاقات المُفصّلة في الموضوع بتوضيح أنّ : كل مسلم أخ للمسلم ، وأنّ المسلمين جميعهم أخوة ؛ فنهى عن الظلم ؛ فكلّ المسلم على المسلم حرام ، و لا فرق بين مسلم ومسلم ، وأنّ قوانين الحياة الإسلامية مستمدة من كتاب الله وسنة نبيه .

    أساليب الخطبة :
    كثرت الأساليب الخبرية ؛ لأنّ المقام مقام توضيح وبيان ، فجاءت أساليب التوكيد متنوعة ، واشتملت الخطبة على بعض أساليب الإنشاء ، والهدف منها التأكيد ، والحثّ ، كما اعتمدت الخطبة على الموازنة بين العبارات ؛ ممّا يستميل النفس ؛ ويؤثر في استقبالها للمعاني المطروحة عليها.

    نموذج خطبة اجتماعية
    خطبة بعنوان " أكل أموال العمال والخدم " للدكتور : عصام بن هاشم الجفري
    إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ،ونستغفره ، ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهدي الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
    أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ، وأعطوا للأجراء أجورهم ، ولا تنقصوا منها شيئاً ، معاشر الأحباب ، إن من الكفلاء من ينظر إلى أجيره كالبقرة الحلوب فيتفنن في أخذ ماله ؛ فإذا ما أراد العامل تجديد إقامته أخذ منه أتاوة معلومة ، وإذا أراد تأشيرة سفر وعودة كان لها تسعيرة تخصها ، بل حتى إذا أراد التنقل من مدينة لمدينة وأراد ورقة للتنقل لحاجة ماسة طالبه بمبلغ معين ، وهذا من الابتزاز وأكل لأموال الناس بالباطل ، معاشر الصائمين إنَّ لنقول للأخوة الذين يقعون في مثل هذه الأعمال تذكروا كيف كان حال أجدادنا من فقر وعوز وجوع ، فبدل الله الحال وأنعم علينا بنعمه التترى ووسّع في أرزاق هذه البلاد حتى أصبحت مقصداً لطلاب الرزق ، فاتقوا الله واشكروا النعمة بأداء حقوق العمال والأجراء إليهم ، وإلّا قد يبدل الله الحال علينا فيحل بنا الفقر والعوز عياذاً بالله ، ولكم في بعض جنسيات العمال لديكم عبرة فقد كانوا يعيشون في رغد وسعة عيش ، فلمّا بدلوا بدل الله عليهم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ**.
    =================

    تحليل الخطبة :
    ما لوّن باللون الأزرق هو : المقدمة .
    ما لوّن باللون الأسود هو : موضوع الخطبة .
    ما لوّن باللون الأحمر هو : الخاتمة .
    اشتملت المقدمة على :
    حمد الله ، والثناء عليه ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
    اشتمل الموضوع على:
    خطاب مباشر للذين يندرجون تحت الفئة المُوجّه إليهم عنوان الخُطبة ، وهم : آكلو أموال الخدم ، تنوّع أسلوب الخطيب بين الخبري المباشر ، والإنشائي القوي الذي يحمل نبرة الوعيد ، واعتمد في موضوعه على ذكر نماذج حقيقية من أرض الواقع تكشف عن ممارسات آكلي أموال الخدم ؛ فجاء أسلوبه مباشرا ، قويا في غير حدة ، ولم يبتعد عن اللين حين ذكّر بأحوال الأجداد رغبة ً منه في استمالة قلوب المُوجّه إليهم النصح .

    اشتملت الخاتمة على :
    إجمال لِمَا فُصّل ، وذكر آية كريمة تؤكد ما ينصح به الخطيب .

    أساليب الخُطبة :
    متنوعة بين الخبرية ، والإنشائية ، واقعية غير منفصلة عن مواقف الناس ، يميل الخطيب إلى قصر العبارات ، ومباشرتها ، مما يعطيها قوة وسلاسة في وقت واحد ، يميل الخطيب إلى عقد المقارانات ، والموازنات بين حالين متقابلين ، فيؤكد المعنى ، ويُظهر الفروق ، ويجذب نفس المستمع إلى متابعته ، وأخيرا يستشهد بأقوى الكلام وأبلغه ، وهو قول الحق ، الذي يترك في النفس أثرا عميقا بأهمية تحري ما ينصح به الخطيب .

    منقول

    ألقاكم على خير بإذن الله تعالى


  5. #13
    مراقبة عامة الصورة الرمزية الحلم المستحيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    روح أمي
    المشاركات
    13,349
    معدل تقييم المستوى
    475

    رد: أكــــــاديمية الأدب ..هنا متجدده ..



    مفهوم الأدب عند الجاحظ في كتابه البيان والتبيين
    إعداد: هدى محمد قزع

    إن المتمعن في كتاب البيان والتبيين ، سرعان ما يدرك أن هناك فكرة مسيطرة على النفس الجاحظي يمكن تلخيصها بكلمة هي الفتنة ، على اختلاف ضروبها (اجتماعية ، سياسية، اقتصادية ،ثقافية) ، وليس من قبيل المصادفة أو براعة الاستهلال أن يقدم الجاحظ كتابه بالاستعاذة من فتنة القول وفتنة العمل(1) ، فهذا دليل على واقع لا بد من أخذه بعين الاعتبار .
    من هنا كان للأدب دور في غاية الخطورة لسببين :
    _ أولهما : أن الأدب تأسيس ينبني على القول ، لدى أمة تفتن بالكلمة وتحتفي بها على نحو جعلها توحد بين القول والفعل (2)، بل إن القول كثيراً ما اعتبر أكثر وقعاً وأشد فاعلية من الفعل ذاته(3).
    _ثانيهما : يرجع إلى ما يمتلكه الأدب من قدرة إجرائية ، لذلك أكد الجاحظ على فتنة القول، واعتبر القول بوابة مشرعة على السحر ، وهو يدعم وجهته من خلال الموروث فيورد قول رسول الله " إن من البيان لسحرا"، وكذلك قول عمر بن عبد العزيز "لرجل أحسن في طلب حاجة وتأتى لها بكلام وجيز ومنطق حسن هذا والله السحر الحلال"(4)،وقيل إن النبي قال لحسان بن ثابت :"واللَّه لشِعْرُك أشدُّ عليهم من وَقْع السِّهام، في غبَش الظَّلام"(5) .
    إن الأدب يمتلك القدرة على تحلية مضمون الأدب (المعاني والدلالات) في عيون الناس وإخراجها مخرجاً يبرز معه حسنها من هنا شبه الجاحظ المعاني بالجواري والألفاظ بالمعارض ، وبهذا الاعتبار يكون الأدب قائماً على الزينة التي نضيفها إلى المعنى لا على المعنى:" أُنذِرُكم حُسنَ الألفاظ، وحلاوةَ مخارج الكلام؛ فإنَّ المعنى إذا اكتسى لفظاً حسناً وأعاره البليغُ مَخرجاً سهلاً، ومنحه المتكلم دَلاًّ مُتَعشَّقاً، صار في قلبك أحْلى، ولصدرك أمْلا، والمعاني إذا كُسِيت الألفاظَ الكريمة،وألبست الأوصافَ الرفيعة، وتحوَّلت في العيون عن
    ___________________________________
    (1) الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، البيان والتبيين ، تحقيق عبد السلام هارون ،مكتبة الخانجي ، القاهرة، ط7، 1998، ج1، ص3.
    (2) الجاحظ ، المصدر نفسه، ج2، ص175.
    (3) المصدر نفسه ، ج2، ص188.
    (4) نفسه، ج1، ص255.
    (5)نفسه، ج1، ص273.
    مقادير صُوَرها، وأرْبَتُ على حقائق أقدارها، بقَدْرِ ما زُيِّنت، وحَسَبِ ما زُخرِفت، فقد صارت الألفاظ في معاني المعارض وصارت المعاني في معنى الجواري والقلب ضعيفٌ، وسلطانُ الهوى قويٌّ، ومَدخل خُدَع الشيطان خفيّ"(1).
    وكما يمتلك الأدب القدرة على التحسين والتجميل ، فإنه في نفس الوقت يمكن أن يكون أداة يوظفها الأديب في سبيل تزييف الواقع والحقائق ذلك أن من حدود الأدب أنه " تصوير الباطل في صورة الحقّ" (2).
    لكن ما كان يشغل فكر الجاحظ في المقام الأول، هو إصلاح العالم بواسطة الأدب ، فالأدب وسيلة وضعها الإنسان لإعادة توحيد الطبائع بعد اختلافها وتأليف الأجناس بعد تفرقها وذلك بتلقيح عادات ترمي إلى إنماء طبائع جديدة في الإنسان لإصلاح القديمة أو لتغييرها تماماً ""قالوا: والمشاكلةُ من جهة الاتِّفاق في الطبيعة والعادة، ربَّما كان أبلغَ وأوغَلَ من المشاكلة من جهة الرَّحِم، نعم حتى تراه أغلَبَ عليه من أخيه لأمِّه وأبيه، وربَّما كان أشبَهَ به خَلْقاً وخُلُقاً، وأدَباً ومذهَباً"(3) ،علماً بأن هذه الطبائع إذا حولت إلى مقادير الكمال والتمام (4) لا يتولد منها إلا الحسن ولا تلفظ إلا الحسن .
    وفي هذا رد على التيار الفكري المنادي إلى توقيف مصير الإنسان في الحياة على أصل تركيب طبيعته الأولى وجعل الوراثة أمراً محتوماً لا يمكن التخلص منه أبداً.
    و الجاحظ يتوسم بأبيات لأبي تمام(5) قاعدة تلخص الأدب شاهداً ومثلاً وهي :


    كذَبْتُمُ ليس يُزهَى مَن له حسبُ
    إنِّي لَذُو عجبٍ منكمْ أردِّدهُ
    لَجَاجةٌ لِيَ فيكمْ ليس يشبهُها

    ومَن له نسبٌ عمَّن له أدبُ
    فيكم، وفي عجبي مِن زَهوكم عَجَبُ
    إلاّ لجاجتُكمْ في أنَّكم عَرَبُ
    ___________________________________
    (1) الجاحظ، ج1 ،ص254.
    (2) المصدر نفسه ، ج1 ، ص113 ، ص 220.
    (3) نفسه، ج3،ص292.
    (4) انظر: نفسه ،ج3، ص292.
    (5) نفسه ، ج1، ص263.
    فهذه الأبيات تلمح إلى ثلاثة مبادىء في الأدب هي:
    _تفضيل الأدب على الحسب والنسب بمعنى تفضيل العادة على الطبيعة.
    _التعجب والغرابة .
    _التكرار والمجانسة.
    هذه بعض الجوانب للسياق العام الذي يرد فيه مفهوم أدب عند الجاحظ ، وما يهمنا الآن الانتقال إلى السياق الخاص لحد الأدب
    ماهية الأدب عند الجاحظ :
    أ_ الأساس الفلسفي:
    استند الجاحظ على جملة من المبادىء الفلسفية في تحديده لمفهوم الأدب ،هي:
    1_العالم الصغير سليل العالم الكبير:
    يقترب هذا المبدأ من الفلسفة الميتافيزيقية والطبيعية معاً، فالثاني هو الأول لأنه ناتج عنه ومنحدر منه وسليله ،أعني الشاهد الذي يمثله والصورة التي تلخصه ، والثاني ليس الأول لأنه يختلف عنه حقيقة جوهراً ، ويمكن القول أن المعاني في هذا النظام هي التي تمثل العالم الكبير أو العالم اللانهائي ، بينما الألفاظ تمثل العالم الصغير أو العالم النهائي وقد صرح الجاحظ بذلك في قوله "اعلم – حفِظَكَ اللَّه – أنّ حُكْمَ المعاني خلافُ حُكمِ الألفاظ؛ لأنْ المعانِيَ مبسوطةٌ إلى غير غاية، وممتدّةٌ إلى غير نهاية، وأسماءَ المعاني مقصورةٌ معدودة، ومحصَّلةٌ محدودة"(1).
    ويقول :""الإنسانَ إنما قيل له العالَمُ الصغيرُ سليلُ العالَم الكبير، لأنّه يصوِّر بيديه كلَّ صورة، ويحكى بفمه كل حكاية ولأنّه يأكلُ النَّباتَ كما تأكل البهائم، يأكل الحيوانَ كما تأكل السِّباع وأنّ فيه من أخلاق جميعِ أجناس الحيوان أشكالاً، وإنما تهيَّأ وأمكنَ الحاكيةَ لجميعِ مخارِجِ الأمم،لِمَا أعطى اللُّهُ الإنسانَ من الاستطاعة والتمكين، وحين فضَّله على جميع
    ___________________________________
    (1) الجاحظ، ج1، ص76.
    الحيوان بالمنطق والعقل والاستطاعة، فِبطُول استعمال التكلُّف ذلَّتْ جوارحُه لذلك، ومتى تَرَك شمائلَه على حالها، ولسانَه على سجيته،كان مقصوراً بعادة المنْشأ على الشكل الذي لم يزل فيه"(1).
    هل يمكن القول أن الجاحظ هنا بمفهومه للإنسان يجد شبهاً كبيراً بين اللفظ الذي ما انفك يحث على محدوديته ونهايته والإنسان نفسه ؛لأنه محدود الجسم ، ومحدود القوى .
    وبما أن العالم الصغير بخروجه وانحداره من العالم الكبير قد ضلّ طريقه وزاغ عن الصواب فإنه صار لا يعبر عن كنهه ولا يدل على حقيقته ، ومن ثمّ فإن دور الأدب يتمثل بتقويم العالم الصغير وإرجاعه إلى نصابه بتثقيفه وإزالة اعوجاجه ، وما رواه الجاحظ في هذا الشأن لعلي بن إسحاق بن يحيى ،على سبيل التفكه بنوادر المجانين قد يدل على تصور لنظام الكون أو لنقل للحياة ،حيث قال" أرى الخطأَ قد كثُر في الدُّنيا، والدُّنيا كلُّها في جوف الفلَك، وإنما نُؤتَى منه، وقد تخلخل وتخرّم وتزايل، فاعتراه ما يعتري الهَرْمَى، وإنما هو مجنونٌ فكم يصبِر؟ وسأحتال في الصعود إليه، فإني إن نجرَته ورَندجْتُه وسوّيته، انقلب هذا الخطاءُ كله إلى الصواب"(2) .
    والأدب في أحد معانيه هو الاحتيال لتسوية الخطا في الانسان وفي غير الانسان ، وهذا ينطبق على الكثير من الأقوال التي أوردها الجاحظ لبعض المتكلمين ، ومن ذلك قولهم: "الأدب دليل على المروءة"،أو قول يونس بن حبيب "ليس لعييّ مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء، ولوحَكَّ بيافوخِهِ أَعْنَانَ السَّماء"(3) .
    هذه الجمل يمكن أن تفسر تفسيرين :تفسيراً سطحياً يعول فيه على المعنى المستفاد من صريح اللفظ ،وهو هنا في متناول الجميع وهذا التفسير السطحي لا طائل تحته .
    وتفسيراً بعيداً خاصاً تعتبر فيه هذه الألفاظ كمصطلحات يمكن أن يدرك معناها إذا رجعنا إلى علم الكلام ومصطلحاته .
    ___________________________________
    (1) الجاحظ، ج1،ص70.
    (2) الجاحظ، ج4، ص16.
    (3) الجاحظ، ج1 ،ص77.
    وحينئذ يظهر لنا أن المروءة ليست فقط كمال الرجولة وإنما يقصد بها الإشارة إلى دلالة النصبة في أصناف الدلالات على المعاني الخمس ،حيث يطرد هذا المفهوم مع مفاهيم أخرى كمعنى وجسم وحقائق وغيرها التي تدل على الكائنات قبل أن تنفخ فيها الروح أو تعطي لها صورة من الصور(1).
    وتصبح جملة " الأدب دليل على المروءة "معناها أن الصورة الظاهرة للكائنات تعبر عن طبائعها الداخلية أو أن الشكل الخارجي لهذا العالم يحكي حقائقه العليا في العالم الآخر .
    وهذا هو مبدأ العالم الصغير سليل العالم الكبير .
    فالأدب الذي هو من نتاج العقل والتدبير الإنساني لا يتنافى مع المروءة ،التي هي فطرة من الله وطبيعة من الطبائع الأولى.
    ويصنف الجاحظ المروءة في منزلة المعاني ،أي منزلة العالم الكبير ، ودليل المروءة البيان ، ونقيضها العي (2).
    وهنا نلمس نقطة الصلة بين البلاغة والأدب (3) ، فالبلاغة بالنسبة للأدب هي بمنزلة العالم الصغير بالنسبة إلى العالم الكبير.
    2_ القول سليل العمل:
    يعد الجاحظ هذا المبدأ بمثابة قانون طبيعي يكون التساوي بين القول والعمل حتمياً فيه ذلك أن "المرء لا يضيع صواب القول حتى يضيع صواب العمل" (4) ، فإذا ازداد صواب العمل ازداد صواب القول وإذا نقص الأول نقص الثاني ،وهذا ما فصّله في باب سماه "باب أن يقول كل انسان على قدر خلقه وطبعه "(5).
    ___________________________________
    (1) تكرر هذا المفهوم 16 مرة وورد في هذه الصيغة في (ج1، ص 166، ص221 ، 245،ج2 ص173، 176 ، ج3 ص217 ).
    (2) انظر: الجاحظ، ج1،ص77.
    (3) يرى أحد الدارسين أن الأدب والبلاغة عند الجاحظ صنوان لا يفترقان . انظر : محمد بركات حمدي أبو علي ، دراسات في الأدب ،دار وائل ،عمان، 1999، ص33.
    (4) الجاحظ، ج2، ص179.
    (5) الجاحظ، ج2، ص175.
    ومن ثم كان الأدب تنظيماً وتقويماً للقول والعمل معاً (1).
    3_العلم أكثر من أن يحصى :
    يقرن الجاحظ ذكر الأدب بذكر الضياع ، وهذا الاقتران هو الذي جعله يقرر قاعدة أساسية بنى عليها نظرته إلى الأدب ،وهي :" العلم أكثرُ مِن أن يُحصَى، فخذوا من كلِّ شيء بأحسنه" (2) .
    ذلك أن العلم إنما هو المعاني ، أعني الكائنات غير المسماة والتي لا تزال مجهولة لدى الإنسان ،والجاحظ يعبر عن هذا الضياع بمفاهيم مختلفة منها اللانهاية (3) ، والإهمال (4) ، والتضييع (5) .
    وتتجلى لا نهائية المعاني في مواضع عديدة نذكر منها قوله والدلالات هي التي "تكشِف لك عن أعيان المعاني في الجملة… وعمّا يكون منها لَغْواً بَهْرَجاً، وساقطاً مُطَّرَحاً" (6).
    إن إسقاط المعاني وطرحها يمكن حمله على معنى اللانهاية ،لا على معنى الاحتقار وعدم المبالاة بالمعاني ،لأن المعاني المطروحة هي جميع الكائنات التي تملأ الفضاء وتعمره والجاحظ يؤكد لنا ذلك في مكان آخر بقوله :" وليس في الأرض لفظٌ يسقط البتّة، ولا معنى يبور حتّى لا يصلحَ لمكانٍ من الأماكن"(7).
    فالمعاني التي كنا نظنها ضائعة مهملة أصبحت الآن تصلح لشيء من الأشياء ،بل ليس فيها ما يلغى أو يبور ،وحالها في ذلك حال الألفاظ ،لأن "سخيفَ الألفاظ مشاكلٌ لسخيف المعاني، وقد يُحتاج إلى السَّخيف في بعض المواضع،ورُبّما أمتَعَ بأكثَرَ من إمتاع الجزْلِ الفخم من الألفاظ، والشريفِ الكريم من المعاني" (8).
    ___________________________________
    (1) انظر: الجاحظ ، ج2، ص188، ص262 .
    (2) المصدر نفسه، ج1، ص404.
    (3) انظر: نفسه، ج2، ص7.
    (4) انظر: نفسه ، ج1،ص75، ص353، ص244.
    (5) انظر: نفسه ، ج1،ص244.
    (6) نفسه، ج1 ، ص76.
    (7) نفسه، ج1، ص93.
    (8) نفسه، ج1، ص145.
    فالجاحظ يقصد بالطرح هنا ما تكون عليه الألفاظ والمعاني قبل تركيبها وتنظيمها ، بمعنى أن المعاني المطروحة لا تقابل الألفاظ لأنها هي الأخرى معنية بالطرح والسقوط وإنما يقابلها السبك والنسج والتصوير أي التركيب.
    4_الطبيعة والعادة :
    يوهم الجاحظ القارىء أحياناً بأنه لا يفرق بين الطبيعة والعادة ،إذ نجده يقول مثلاً "والمشاكلة من جهة الاتفاق في الطبيعة والعادة ربما كانت أبلغ وأوغل من المشاكلة من جهة الرحم " (1) ، مع أن المحقق هو أنه يفرق بينهما تفريقاً جوهرياً .
    وفي الواقع هذا ما قام به الجاحظ ، فقد فرق بين الطبيعة والعادة في حديثه عن المتكلمين الذين جمعوا بين خصلتي الطبع والصنعة يقول :"فأما أربابُ الكلامِ، ورؤساءُ أهل البيان، والمطبوعون المعاوِدون…فكيف يكون كلامُ هؤلاء يدعو إلى السَّلاطة والمِراء"(2).
    ويوصي في مكان آخر طالب البلاغة بقوله "ولاتُهمِلْ طبيعتَك فيستولِيَ الإهمالُ على قُوّة القريحة، ويستبدُّ بها سوءُ العادة" (3) .
    وما نريد تبيانه هنا من هذا كله هو أن العادة في هذه النظرية غير الطبيعة ،أو هي الطبيعة الثانية التي يكتسبها الإنسان بجهده الخاص وبالتمرين والممارسة :
    " حتى يَصير بالتمرين والتوطين إلى عادةٍ تُناسب الطبيعة" (4) .
    أما الطبيعة (5) فهي الخلقة الأولى والفطرة التي يفطر عليها الإنسان ، فهي موروثه وتنشأ مع صاحبها من يوم ولادته وليس له عليها حيلة ولا اختيار فهي كاختلاف صور الحيوان الذي يأتي على قدر اختلاف الأماكن (6) .
    _________________________________
    (1) الجاحظ ، ج3 ص292.
    (2) المصدر نفسه ، ج1، ص201.
    (3) نفسه ، ج1، ص200.
    (4) نفسه ، ج4،ص27.
    (5) يشير محمد اليوسفي إلى أنه يمكن اعتبار الطبع لدى الجاحظ "قوة حدسية تمكن الشاعر من الإمساك بذلك القانون الخفي" محمد لطفي اليوسفي ، الشعر والشعرية الفلاسفة والمفكرون العرب ما أنجزوه وما هفوا إليه ، الدار العربية للكتاب ،1992 ص32.
    ويقول أدونيس تعليقاً على رأي الجاحظ "حين يكون الشعر غريزة الشعب وفطرته فهذا يعني أنه قوام شخصيته وجوهرها"
    أدونيس ،علي أحمد سعيد ،الثابت والمتحول ،دار العودة ،بيروت، ط1 ،1974 ،ج2،ص45.
    (6) انظر الجاحظ ، ج3، ص294.
    ويصنف الجاحظ الطبائع في طبقات متعددة منحدرة من أعلى إلى أسفل ، ومهما يكن فإنه كثيراً ما يعبر عن الطبيعة المزدوجة الوجهين والمتضمنة للخير والشر بالغريزة ، وقد وصفها الجاحظ وصفاً دقيقاً فقال :
    "وإنّما يمتنع البالغ مِن المعارف مِن قِبَل أُمورٍ تَعرِض من الحوادث، وأُمورٍ في أصل تركيب الغريزة، فإذا كفَاهم اللّهُ تلك الآفاتِ، وحصّنَهم من تلك الموانع، ووفَّر عليهم الذّكاءَ،وجلَبَ إليهم جياد الخواطر، وصَرَف أوهامَهم إلى التعرُّف، وحبَّب إليهم التبيُّن، وقعت المعرفةُ وتمَّت النّعمة ، والموانع قد تكون من قَبِل الأخلاط الأربعة على قدر القِلَّةِ والكثرة، والكثافة والرِّقّة، ومن ذلك ما يكون من جهة سُوء العادة، وإهمالِ النَّفْس… ومن ذلك ما يكون من الشَّواغل العارضة، …، ومن ذلك ما يكون من خُرْق المعلِّم، وقلَّة رفق المؤدِّب، وسُوء صَبر المثقِّف"(1).
    ب_ التحديد النظري لمفهوم الأدب :
    لقد تحدث الجاحظ عن خصائص الأدب وأحاط بمظاهره ومميزاته المختلفة(2) ، فالجاحظ ترك لنا من النصوص ما هو كاف لإعادة صياغة تعريف للأدب .
    _________________________________
    (1) الجاحظ ، ج3،ص293.
    (2) هل الجاحظ لم يترك تعريفاً للأدب ؟ كما ذهب إلى ذلك ميشال عاصي.
    _انظر: ميشال عاصي، مفاهيم الجمالية والنقد في أدب الجاحظ ، مؤسسة نوفل ، بيروت، 1981،ط2، ص82.
    أم أن الأدب :"هو الكلام الجميل شعراً كان أم نثراً " وأنه مهما دار في كتاب البيان وتعددت معانيه "فإن المعنى اللغوي الأصل يبقى ملحوظا فيه ،ودور العقل يبقى بارزاً في تكوينه والحكم عليه ،وذلك ما يجعله غير مقطوع الصلة بالأخلاق".
    _الشاهد البوشيخي ، مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبيين ، دار القلم ،الكويت ،ط2 ، 1995 ، ص60، ص62،ص63.
    وهل صحيح أن الجاحظ " هو صانع مفهوم الأدب عند العرب" ؟
    _حمادي صمود ، التفكير البلاغي عند العرب أسسه وتطوره إلى القرن السادس ، منشورات الجامعة التونسية ، 1981 ، ص143.
    وهل يمكننا أن نحدد مفهوم الأدب لدى الجاحظ فنقول :"إن الأدب عند الجاحظ هو عبارة عن علم وفن في آن واحد ،فالأدب علم لأن له موضوعاً يبحث فيه هو إصابة الحقيقة في كل شيء،وهو فن لأنه وسيلة لتلقيح عادات جديدة".
    _محمد الصغير بناني ، النظريات اللسانية والبلاغية والأدبية عند الجاحظ، ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ، 1983، ص391.
    أو نقول "لقد نظر الجاحظ إلى الأدب نظرتين متوازيتين ، فاعتبر الأدب مرة وسيلة إلى العلم والمعرفة حيث استعمل الشعر وسيلة في نقاشه المنطقي وكان يسمي هذا النوع من الأدب (بالشاهد )، والنظرة الغالبة على الجاحظ بالنسبة إلى الأدب هي النظرة الثانية ،اعتبر الأدب غاية يقف عندها الإنسان للتمتع واللذة فلا يريد من الشعر أو الأدب أكثر من متعته وخياله وما يترك في النفس من أثر بعيد إلى النفس جمالها واطمئنانها وسمى هذا النوع من الأدب بالأدب المقصور ،حيث تحدث عنه الجاحظ حين فاضل بين الأدب والعلم .
    _داود سلوم النقد المنهجي عند الجاحظ ،مكتبة النهضة العربية ،بيروت ،ط1، 1960، ص38" وأشير هنا إلى أن الضرب الثاني"الأدب المقصور" ورد الحديث عنه فقط في كتاب الحيوان .
    1_الأدب موقف من الحياة:
    يمكن اعتبار ما جاء في وصية عبد الملك بن صالح ،هذا الأديب الذي حفظ لنا الجاحظ نماذج من بلاغته (1) ، محاولة لتعريف الأدب ،فقد جاء في هذه الوصية بعد تعريف البلاغة بأنها "معرفة رتْقِ الكلام وفتقِه" (2) ، قوله:"جميع أركان الأدب التأتي للرفق" (3) .
    وهو تعريف على فيه من الاختصار والغموض ، يحدد ماهية الأدب وموضوعه ، فالتأتي هو الطريقة التي يسلكها الأديب أو المؤدب لبلوغ غاياته وتحقيق أهدافه .
    والرفق هو مفهوم يدل على الاهتمام الفني والجمالي الذي يجب أن يتوفر في كل عمل أو إجراء يقوم به الأديب ، وهو يوازي مفاهيم أخرى تحدث حولها الجاحظ وهي اللطافة واللين والحسن (4) وغيرها.
    وهكذا يمكن القول أن الأدب عبارة عن الطريقة الحسنة والملائمة لتناول الأمور ومباشرتها،بمعنى انه يمكن إخضاعه لقواعد علمية وفنية .
    وهناك نص آخر أكثر تفصيلاً من الأول ، وهو وصية عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدب ولده قال:"ليكن أوَّلَ ما تبدأُ به من إصلاحك بَنِّي إصْلاحُك نَفسَك؛ فإنَّ أَعينهم معقودة بعينك، فالحسَنُ عِندهم ما استحسنت، والقبيحُ عندهم ما استقبحت، علِّمْهم كتابَ اللَّه، ولا تُكرِهْهم عليه فيَملُّوه،ولا تتركْهم منه فيهجُروه، ثم روِّهم من الشِّعر أَعَفَّه، ومن الحديث أَشْرَفه، ولا تُخْرِجْهم من عِلْمٍ إلى غيره حتّى يحْكموه، فإنَّ ازدحامَ الكلام في السَّمع مَضَلَّةٌ للفهم، وعلِّمْهم سِيَرَ الحكماء وأخلاقَ الأدباء، وجنِّبْهُم محادَثة النساء، وتهدَّدْهم بي وأدِّبْهم دُوني، وكنْ لهم كالطَّبيب الذي لا يَعجَل بالدَّواء حتى يعرف الداء، ولا تَتّكل على عُذري، فإني قد اتَّكلتُ على كفايتِك، وزد في تأديبهم أزدك في برّي إن شاء اللَّه"(5).
    وهذه التعليمات يمكن استخلاص قواعد نظرية من خلالها تلخص ماهية الأدب:
    _فالأدب عبارة عن إصلاح بكل ما يقتضيه ذلك من تغيير للأوضاع القديمة الفاسدة وإبدالها
    _________________________________
    (1) انظر الجاحظ، ،ج1، ص334، ج2،ص109، ج4،ص93.
    (2)المصدر نفسه ، ج4،ص94.
    (3) نفسه ، ج4،ص95.
    (4) انظر المصدر نفسه ،ج1 ص136 ،ج2 ص165، ج3 ص294، ج4 ، ص94 ، ج4 ص95.
    (5) نفسه ، ج3، ص73.
    بأوضاع جديدة ، وهذا الإصلاح ذاتي وموجه إلى النفس بأسلوب جمالي يراعي فيه مبدعه تمييز مواطن الحسن والقبح وتقديرها حق قدرها ،معتمداً التحبيب والإقناع ،مختاراً بعض الأشعار العاطفية التي تتناول المواضيع العفيفة ،وبعض الأحاديث التي تحث على الشرف وعلو الهمة ، وشيئاً من سير الفلاسفة وأخلاق الأدباء .
    والمؤدب بكل هذا لا يتدخل مباشرة لإصلاح مؤدبه ،وهذا هو معنى التأتي والاحتيال(1).
    وقد كنت ذكرت أن الجاحظ يهدف من خلال الأدب إلى إعادة إحياء الطبائع وتقويمها.
    _والأدب تطبيب (2) ومعالجة ،فالمؤدب كالطبيب الذي يعالج المرضى فيجب عليه تشخيص الخلل عند المؤدبين ثم ضبط نوع العلاج الخاص بهم ،وهذا عن تصور علمي ونفسي للأدب .
    _والأدب تعبير عن كفاية الذات المبدعة ،فالمؤدب يجب ألا يركن إلى الاتكال على الآخرين أو على ما يبدو له لأول وهلة من الأعذار القاهرة والأسباب الحتمية التي لاحول له عليها ولا قوة بل لا بدّ من محاولة التغلب عليها بنفسه ،وقضية التوكل مرتبطة بقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،هذا المبدأ يرتبط بتحديد الأدب ،بل إن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مبدأ الأدب نفسه ؛لأن الأمر بالمعروف هو معنى التأتي أعني الاعتماد على الين واللطافة لتغيير الفساد ،وهكذا يكون الأدب يستمد أصوله مباشرة من التعاليم الإسلامية ،ثم إن هذا المبدأ هو أحد الأركان التي بني عليها مذهب الاعتزال ،إذ أسس هذا المذهب كما هو معلوم على خمسة أصول (3) هي التوحيد ،والعدل ،والوعد والوعيد،والمنزلة بين المنزلتين ،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
    وهكذا تكون نشأة الأدب ذات علاقة مباشرة بقضية الاعتزال .
    وقد أشار الجاحظ إلى هذا المبدأ في مكان آخر فقال على لسان محمد بن علي "أدَّب اللّه محمداً صلى الله عليه وسلم بأحسن الآداب، فقال: "خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بالعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ"(4).
    _________________________________
    (1) انظر مصطلح الاحتيال ،الجاحظ، ج3 ، ص366، ص368، ج4 ، ص16.
    (2) انظر مصطلح التطبيب ، نفسه، ج2 ، ص73 ، ص322، ج3 ص252، 375.
    (3) انظر، حسن السندوبي، أدب الجاحظ ، ط1، القاهرة، 1931، ص99، 102.
    (4) الجاحظ، ج2،ص29.
    هذه هي المفاهيم التي تمكنت من استخراجها من هذا النص ، ويمكن القول من خلالها أن الأدب موقف من الحياة ، ويتسم هذا الموقف بالإيجابية والالتزام ، إذ إن صاحبه يسعى إلى التغيير والتحسين من خلال ما يتلكه من رؤية قائمة على العلم والبصيرة.
    و يبدو أن الجاحظ لم يكن يفرق بين الأدب التعليمي وبين وظيفته ،فتثقيف النفس والفكر واللسان وتربيتها هي وظائف للأدب ، وهذا لا لأنه فعلاً لم يكن يميز بينهما وإنما لأنه أراد أن يصف الداء والدواء والصحة معاً.
    2_الأدب تهذيب في التصرف والقول :
    تطالعنا كلمة أدب حيناً بمعنى التهذيب في السلوك والتصرف ،سواء بالنسبة لما تفرضه مقامات الناس من اللياقة والتهذيب في القول المستحب والمسلك المحمود ،أم بالنسبة لمقام الشخص المتصف بالأدب ومركزه الثقافي والاجتماعي ،وكشاهد على مدلول الأدب بمعنى الالتزام بسلوكية تتفق مع المقام الاجتماعي والثقافي للإنسان ذي المكانة والمرتبة ما رواه الجاحظ عن تصرف البطريق مع مرافقيه بصورة لا تليق بمحل البطريق من السلطة والجاه قال: " وسايَرَ البِطريقُ الذي خَرَج إلى المعتصم من سور عمُّوريَّةَ، محمَّدَ بنَ عبدالملك، والأفْشِينَ بنَ كاوُس، فساوم كلَّ واحد منهما ببرذونه، وذكر أنه يرغّبهما أو يُرْبحهما، فإن كان هذا أدبَ البِطريق، مع محلّه من المُلك والمملكة، فما ظنُّك بمن هو دونَه منهم"(1)،وأما الشاهد على مدلول الأدب بمعنى التهذيب في التصرف والقول بإزاء أصحاب المكانة والنفوذ فنجده في هذا الخبر الذي يسوقه الجاحظ عن تصرف أبناء الشعب من الصنّاع أمام الخليفة الرشيد ، قال:" أحبَّ الرشيد أن ينظر إلى أبي شُعيبٍ القَلاّل كيف يعمل القِلال، فأدخلوه القصرَ، وأتوه بكلّ ما يحتاج إليه من آلة العمل، فبينا هو يعمل إذا هو بالرشيد قائمٌ فوقَ رأسه، فلما رآه نهضَ قائماً، فقال له الرشيد: دُونَك ما دُعيتَ له ؛ فإنِّي لم آتِكَ لتقُوم إليّ، وإنما أتيتُك لتعمَلَ بين يديَّ، قال: وأنا لم آتكَ ليَسُوءَ أدبي، وإنما أتيتك لأزداد بك في كثرة صوابي"(2) .
    3_الأدب دليل على المروءة وزيادة في العقل (3).
    _________________________________
    (1) الجاحظ ، ج2،ص255.
    (2)المصدر نفسه، ج2 ص261_262.
    (3) تم مناقشته في ص من هذا البحث .
    4_الأدب معرفة:
    ترد لفظة أدب بمعنى المعرفة والثقافة خارج ميدان العلوم الدينية والفقهية ، وهذا ما نستخلصه من قول الجاحظ :" ومعنا في المجلس إبراهيم النّظَّام، وأحمدُ بن يوسف،وقُطرُبٌ النحوي، في رجالٍ من أُدَباء الناس وعلمائهم"(1)،ولربما جاءت بمعنى الثقافة العامة والمعرفة الموسوعية ،كما في قول الجاحظ :"وكان خالد بن يزيد بن معاوية، خطيباً شاعراً، وفصيحاً جامعاً، وجيِّدَ الرَّأَي كثيرَ الأدب، وكان أول من ترجم كتب النُّجوم والطِّبّ والكيمياء"(2).
    وقد تأتي بمعنى الاكتناز الثقافي والاستيعاب الفكري في مقابل الموهبة والاستعداد الفطري ،كما في قولُ بعض الحكماء حين قيل له: متى يكون الأدبُ شرّاً مِن عدمه؟ قال: إذا كثُر الأدب، ونَقَصَت القريحة"(3) .
    5_الأدب بيان باللغة :
    يورد الجاحظ الأدب مرادفاً للبيان بمعنى توسّل اللغة سبيلاً إلى التعبير عن الذات والحقيقة ،ويعرض الجاحظ في صدد الأدب بمعنى البيان بواسطة اللغة ،مفهوماً جديراً بالتنويه ،يعتبر أن امتلاك القدرة على صناعة الأدب هي إلى حد بعيد ثمرة التمرس بقراءة الآثار ،والجهد الدائب على التعلم والتثقف ،فضلاً عن اعتباره أن جميع طاقات الإنسان هي ،كمبدأ عام ،وليدة التعلم والدربة :" والإنسان بالتعلُّم والتكلُّف، وبطُول الاختلاف إلى العلماء، ومدارَسَةِ كُتُبِ الحكماء، يَجُودُ لفظُه ويحسُن أدبُه، وهو لا يحتاج في الجهل إلى أكثَرَ من ترك التعلُّم، وفي فساد البيان إلى أكثر من ترك التخيُّر" (4).
    وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجاحظ يفصم العروة بين الأدب والأسس الأخلاقية المنطقية في تقييمه كالصدق والكذب ، ويستبدلها بمعايير مستمدة من اللغة ذاتها وقدرة الأديب على التصرف فيها وصوغها بطرائق تحقق الوظائف الفنية وإن كان ذلك على حساب مطابقة
    _________________________________
    (1) الجاحظ، ج2 ، ص330
    (2)المصدر نفسه، ج1 ص328.
    (3) نفسه ، ج1 ص86.
    (4) نفسه، ج1 ،ص86.
    النص للواقع "قال: وقلت لِحُبَابِ: إنّكَ لتكْذِبُ في الحديث، قال: وما عليك إذا كان الذي أزيدُ فيه أحسنَ منه، فواللَّهِ ما ينفعُك صدقُه ولا يضرُّك كذبُه، وما يدور الأمرُ إلاّ على لفظٍ جيِّد ومعنىً حسن" (1).
    ومن هذا المنظور يتحول اهتمام منشىء الأدب عن علاقة كلامه بما هو خارج عنه إلى الكلام ذاته ،وطريقة نسجه ، ولا شك أن عملاً من هذا القبيل يتطلب وعياً بقدرات اللغة يفضي بصاحبه إلى اختيار أشدها ملاءمة.
    6_الأدب صناعة الكتابة ومهنة القلم :
    من بين معاني الأدب عند الجاحظ معنى يشير إلى مهنة القلم وصناعة الكتابة ،وهو المعنى الذي استقرت عليه لفظة الأدب فيما بعد ،وذلك واضح في قوله : " فإن أردت أن تتكلف هذه الصناعة، وتُنسَب إلى هذا الأدب، فقرضتَ قصيدةً،أو حبَّرت خطبة، أو ألّفْتَ رسالة…"(2) .
    ويتضح هذا المفهوم أكثر فيما أثبته الجاحظ عن نفسه وخادمه إذ قال :" وابتعت خادماً كان قد خدم أهل الثروة واليسار وأشباهَ الملوك، فمرَّ به خادم من معارفه ممن قد خدَمَ الملوك فقال له: إن الأديب وإن لم يكن ملكاً فقد يجب على الخادم أن يخدُمه خِدمةَ الملوك، فانظر أن تخدُمه خدِمَةً تامة، قلت له: وما الخدمة التّامة؟ قال: الخدمة التامة ؟… أن يكون إذا رأى مُتَّكَأً يحتاج إلى مخَدَّةٍ ألاَّ ينتظر أمرَك، ويتعاهدَ لِيقةَ الدَّواة قبل أن تأمرَ أن يصبَّ فيه ماءَ أوسواداً، وينفُضَ عنه الغُبارَ قَبْلَ أنْ يأتيَك به، وإنْ رأى بين يديك قرطاساً على طَيِّه قطع رأسَه ووضَعَه بين يديك على كَسْرهِ"(3).
    7_الأدب رواية الشاهد والمثل :
    نتساءل ما يقصد الجاحظ بالشاهد والمثل ؟
    _________________________________
    (1) الجاحظ ، ج2 ،ص339.
    (2) نفسه، ج1، ص203.
    (3) نفسه ، ج2 ، ص331.
    إن بعض النصوص التي أورد فيها الجاحظ هذين المفهومين قد تترك القارىء يتوهم أنه لا يفرق بينهما ولا يجعل بينهما أي تمايز ،ولكن في الحقيقة الجاحظ لا يخلط بينهما أبداً .
    ولو أردنا أن نلخص في عبارة وجيزة هذا الفرق لقلنا أن المثل عند الجاحظ هو الصورة الأصلية التي تتضم في ربقتها كل الصور ،أما الشاهد فهو تجسيد لصورة من الصور في حيز المكان والزمان ،ولذلك كثيراً ما نجد الشاهد يرد بمعنى الحضور والوجود "وأبصر الشاهد عياناً" (1) .
    وبدل "مثل" كلفظ مزاوج له نجد الغائب كقوله " قد كَفيت الشَّاهد والغائب"(2) .
    إن التمييز بين الشاهد والمثل مهم وقد يدلنا على بعض الاتجاهات الأدبية السائدة آنذاك ،والتي كانت تشترط في الأدب أن يتوفر فيه بالإضافة إلى عنصر الخيال ،عنصر الحقيقة والواقع يقول " ولم أرَ غايةَ رواةِ الأخبار إلاّ كلَّ شعرٍ فيه الشاهد والمثل" (3)، لأن الشعر الذي يشتمل على الشاهد والمثل هو الذي يتناول الوقائع اليومية والحقائق الشاهدة .
    ولهذا لم يشتهر حسب الجاحظ شعر كل من صالح عبد القدوس وسابق البربري ،لأنه كان كله أمثالاً وليس فيه من الشواهد الواقعية ما يقربه من الناس ومن حياتهم اليومية (4)، لكن ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن في كلام الجاحظ ما يدل على أن الشواهد قد تصبح أمثالاً إذا كانت في نفس الوقت الذي تعبر فيه عن الواقع تلخص حقيقة من الحقائق العليا ،كما نشاهد في كلام الرسول عندما قال لا "تنتطِح فيه عَنْزَان"وكلام عدي بن حاتم في قتل عثمان :" لا تَحْبِقُ فيه عناق "،"فلم يَصِرْ كلامهُ مَثَلاً، وصار كلامُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً " (5).
    وفي مكان آخر يؤكد الجاحظ على مفهومه السابق للأدب مكرراً على لسان غيره أن قوام الأدب تقديم الشاهد والمثل :"وقال محمّد بن عليّ بن عبد اللَّه بن عباس:كفَاكَ مِن عِلْمِ الدين أن تعرِف ما لا يسَعُ جَهلُه، وكفاك مِن علم الأدب أن تروِي الشّاهدَ والمثل"(6) .
    _________________________________
    (1) الجاحظ، ج3، ص29.
    (2) نفسه، ج2، ص88.
    (3) نفسه، ج4 ،ص24.
    (4) انظر:المصدر نفسه، ج1 ، ص206.
    (5) نفسه، ج2 ، ص16.
    (6) نفسه، ج1، ص86.
    ج_التحديد الإجرائي للأدب :
    يشير الجاحظ إلى أن تغيير الغرائز يتم بادخال عادات جديدة عليها ،من خلال أربعة مبادىء هي :
    _التلقيح والمذاكرة.
    _التكرار والاعادة.
    _المؤانسة والتأليف وما في معناها.
    _الحسن.
    1_مبدأ التلقيح والمذاكرة:
    إن الأدب في نظر الجاحظ هو عبارة عن عملية تلقيح لطبائع جديدة يقوم بها المؤدب نفسه، ، وذلك إما لإصلاح الطبائع القديمة الفاسدة أو لبعث طبائع جديدة في قلب أو صدر المريد يقول : "ورأيت عامّتَهم لا يقفون إلاّ على الألفاظ المتخيَّرة، والمعاني المنتخَبة، وعلى الألفاظ العذْبة والمخارج السَّهلة، والدِّيباجة الكريمة،وعلى الطبع المتمكِّن وعلى السَّبك الجيِّد، وعلى كلِّ كلامٍ له ماءٌ ورونق، وعلى المعاني التي إذا صارت في الصدور عَمَرتها وأصلحتها من الفَساد القديم" (1) .
    أو"متى شاكل أبقاك اللّه ذلك اللفظُ معناه؛ وأعرب عن فَحواه…كان قميناً بِحُسن الموقع، وبانتفاع المستمِع…لاَّ تزالَ القلوبُ به معمورةً، والصّدورُ مأهولة"(2) .
    والجاحظ ليعبر عن هذه العملية يلجأ إلى مصطلحين اثنين :التلقيح والمذاكرة.
    وقد استعمل التلقيح بمعنى دس الدسائس وتدبير المؤامرات السياسية ،فوزير سابور الأكبر الذي كان قد اقتبس أدباً من أدب الملوك دبر مؤامرة كانت نتيجتها الحرب فلما تلاحمت
    _________________________________
    (1) الجاحظ، ج4، ص24.
    (2) نفسه ،ج2، ص8
    أعضاء الأمور التي لقح استحالت حرباً عواناً (1)، وفي مكان آخر عبر عن اقتباس بعضهم لكلام غيرهم لتلفيق كلامهم فقال :"أخذ عبيد الله مواعظ الحسن ورسائل غيلان فلقح منها كلاماً"(2) ،ولكن المصطلح جعل خاصة لتلخيص عملية الأدب ذاتها ،فمذاكرة الرجال تلقيح لألبابها (3) ولقاح المعرفة دراسة العلم (4) .
    والنتيجة الهامة التي تستنتج من هذه الأمثلة كلها هي أن الأدب موجه خاصة للقلوب(5) فالقلب هو المقصود بهذا التلقيح ،وقوله "مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها" ، يؤكد هذا التفسير ويبين أن الغاية التي يسعى إليها من وراء الأدب ليست العلم وإنما المعرفة .
    أما مصطلح التذكير(6) ، فهو وإن كان يورده بمعنى رواية الأخبار أو سماعها أو حفظها ،إلا أن السياق العام الذي يطرد فيه يشف عن أبعاد أخرى قد يكون الجاحظ يرمي إليها.
    يظهر ذلك من خلال بعض النماذج التي أوردها لمحمد بن علي بن عبد الله بن العباس وعلق عليها بقوله :"وهذا كلامٌ شريفٌ نافع، فاحفظوا لفْظَه وتدبَّرُوا معناه، ثمّ اعلموا أنّ المعنى الحقيرَ الفاسدَ،والدنيَّ الساقط، يعشِّش في القلب ثم يَبيض ثم يفرِّخ، فإذا ضَرَب بجرِانِهِ ومَكَّن لعُروقه،استفحل الفساد وبَزَل، وتمكّن الجهل وقَرَحَ" (7).
    ويقول في موضع آخر"إذا كان المعنى شريفاً واللفظُ بليغاً، وكان صحيح الطبع بعيداً من الاستكراه، ومنزَّهاً عن الاختلالِ مصوناً عن التكلُّف، صنَعَ في القُلوب صنيعَ الغَيث في التُّربة الكريمة"(8).
    يبدو أن المذاكرة تأتي على لسان الجاحظ بمعنى الجمع والمزج بين جنسين مختلفين ، وهذا المزج يؤدي إلى تغيير الطبيعة الأولى تغييراً صالحاً إذا كانت المادة الممزوجة من معدن صالح ، وتغييراً فاسداً إذا كانت من معدن فاسد .
    _________________________________
    (1) انظر: الجاحظ،ج3، ص368.
    (2) المصدر نفسه، ج3، ص295.
    (3) انظر :نفسه، ج1، ص159.
    (4)انظر: نفسه، ج1، ص94.
    (5) يقدر الجاحظ دور الانفعال الأصيل المتفرد في صناعة الشعر إذ قال "لا بدّ للمصدور أن ينفث " نفسه، ج1 ص46.
    (6) انظر مصطلح التذكير ،المصدر نفسه ،ج1 ، ص163، 170، 274 ،297، 298، 378، 396،ج2 ص186 ،340، ج3 ص5،7، ج4 ص24 .
    (7) نفسه ، ج1، ص85.
    (8) نفسه، ج1، ص183.
    2_التكرار والإعادة :
    الأدب عند الجاحظ ضرب من التكرار والإعادة بهدف تنشيط العواطف ، والعادة التي تحدثنا عنها سابقاً تتضمن في حد ذاتها معنى التكرار ، و الجاحظ يعبر عنها بمشتقاتها كالمعاودة والاعتياد وغيرها من الألفاظ التي تدل على معنى التكرار ،يقول الجاحظ :
    "لا تكُدُّوا هذه القلوبَ ولا تُهمِلوها…وعاوِدُوا الفِكرةَ عند نَبَوات القلوب، واشحَذُوها بالمذاكرة، … فإنّ مَن أدام قرع البابِ وَلَج"(1).
    3_المؤانسة والتأليف وما في معناها :
    وهي معان تتضمن معنى التكرار والمزاولة لكن بعضها فيه تأكيد على الجانب العاطفي الذي يعبر عنه بمفهوم المحبة ، وهو إحدى دعائم الأدب:"فالنفوسَ لا تجود بمكنونها معَ الرّغْبة، ولا تُسْمحِ بمخزونها مع الرّهْبة، كما تجود به مع الشَّهوة والمحبّة" (2).
    والمجالسة والمصاحبة والألفة والمؤانسة وما في معناها يؤتى بها للدلالة عن الاتصال الذي يقع بين المتجاورين ويؤدي إلى تأثير أحدهما في الآخر ، وهو مبدأ يلاحظ في العلاقات الاجتماعية بين الناس ،كما يلاحظ في العلاقات اللغوية بين المعاني والألفاظ ،وحتى بين الأمور التي نقوم بها أو نشاهدها في حياتنا اليومية قال :"ولو جالَسْتَ الجُهّالَ والنَّوْكى، والسُّخَفاءَ والحمقَى، شهراً فقط، لم تَنْقَ من أوضار كلامهم، وخَبَال معانيهم…والإنسانُ بالتّعلُّم والتكلُّف، وبطُول الاختلاف إلى العلماء، ومدارَسَةِ كُتُبِ الحكماء، يَجُودُ لفظُه ويحسُن أدبُه" (3) وقال:" فإن أراد صاحبُ الكلام صلاحَ شأن العامَّة، ومصلحةَ حال الخاصَّة، وكان ممَّن يعُمُّ ولا يخُصّ، وينصح ولا يغُشّ، وكان مشغوفاً بأهل الجماعة، شَنِفاً لأهل الاختلاف والفرقة، جُمعت له الحظوظُ من أقطارها، وسِيقت إليه القلوبُ بأزِمّتها، وجُمعت النفوسُ المختلفة الأهواء على محبَّته"(4) .
    _________________________________
    (1) الجاحظ، ج1، ص274.
    (2)نفسه، ج1، ص138.
    (3) نفسه، ج1، ص86.
    (4) نفسه، ج2، ص8.
    4_مبدأ الحسن:
    يلجأ الجاحظ إلى الحسن ليضيفه إلى مفهوم الأدب ومشتقاته فنراه يردد عبارات كأحسن الأدب(1) وأحسن الآداب (2) وحسن التأديب(3) ويحسن أدبه (4) ،ويضاف حسن إلى أدب للدلالة على الجانب الجمالي فيه ، وبما أن لفظ أدب في هذه الحالة ليس إلا الطريقة التي يسلكها المؤدب أو الأديب لبلوغ غايته في تناول الأمور، فإن حسن الأدب تضيف إلى مدلولها معنى اللطافة والحذق والذكاء مما هو دليل على العقل والعلم معاً،وحسن الأدب يؤتى به لمقابلة السلوك الخشن أو التصرف عن جهل .
    ويبدو أن علاقة الأدب بالحسن أصبحت علاقة عضوية في ذهن الجاحظ فكلما ذكر الأدب ذكر الحسن او ما ينوب عنه من الألفاظ مثل جمال أو زين أو لطف وغير ذلك .
    وهذا ما يمكن مشاهدته في قوله :"مدَحَ رجلٌ قوماً فقال، أدّبَتْهمُ الحكمة، وأحكمَتْهم التَّجارِب… فأحسَنُواالمقال، وشَفَعوه بالفَعال"(5)،وفي قول عبد الملك بن صالح "أدَّيت الحقَّ إلى اللَّه في تأديبك، فلا تُغفِلنَّ الأخذَ بأحسنها، والعملَ بها" (6) .
    وإذا كان الأدب في بعض النصوص يظهر على أنه حسن القول والعمل معاً فإن كثيراً من النصوص لا تذكر إلا الجزء الأول ،وقد يدل هذا على تطور في المفهوم واتجاه به نحو ما سيخصص له أعني حسن القول فقط ،ويمكن ملاحظة ذلك في نص كهذا :قال :" تكلّم جماعةٌ من الخطباء عند مَسلمة بن عبد الملك، فأسهبوا في القول، ثم اقترح المنطقَ منهم رجل من أخْريات الناس، فجعل لا يخرُج من حسنٍ إلاّ إلى أحسَنَ منه"(7)، والخروج من شيء إلى شيء هو طريقة أهل الأدب، ويعجب الجاحظ إعجاباً شديداً بقول علي بن أبي طالب " إن قيمة كل امرىء ما يحسنه" (8).
    إن مفهوم حسن القول لدليل قوي على امتداد مفهوم الأدب الجاحظ من عناصر داخلية،وهذا الفهم من الجاحظ يتفق من المذاهب الأدبية الحديثة ،مايسمى بمذهب الفن للفن .
    _________________________________
    (1)انظر: الجاحظ ،ج2،ص156، ص322 .
    (2) انظر: المصدر نفسه، ج2 ،ص29.
    (3) انظر : نفسه ،ج2، ص174.
    (4) انظر : نفسه، ج1، ص86.
    (5) نفسه ،ج4،ص92.
    (6) نفسه ،ج4، ص95.
    (7)نفسه، ج2، ص79.
    (8) نفسه، ج1، ص83.


    منقول للفائدة
    ألقاكم على خير بإذن الله

    ..............


  6. #14
    مراقبة عامة الصورة الرمزية الحلم المستحيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    روح أمي
    المشاركات
    13,349
    معدل تقييم المستوى
    475

    رد: أكــــــاديمية الأدب ..هنا متجدده ..





    يسرني أن أعرض خمس نصائح ذهبية لكتاب القصة القصيرة من المبتدئين
    1_ أن يدركوا أن الكتابة غوص في أعماق الواقع ، وأن الكاتب يقدم صورة مختصرة مترابطة عن
    الواقع وأن الحياة ذات معان متعددة ، ومهمة الكاتب البحث عن هذه المعاني واكتشافها
    2_ القاعدة الذهبية التي ينطلق منها الأديب هي (لا تكون مضجراً)
    وهذا الهدف لا يتحقق بسهولة وأنما يقتض شيئاً من المعاناة فليس ثمة قواعد ثابته لكتابة القصة تحدد
    طبيعتها ، فقد تقوم على المبالغات المفرطة والتصغيرات الخيالية والمناظر القصيرة جداً والمناظر
    الطويلة واللمحات السينمائية والانطباعات والفقرات الاستبطانية ، وعلى الكاتب أن يشعر بحريتّه في
    الكتابة .
    3_ أن مهمة كاتب القصة القصيرة الأساسية هي الوصف لا إصدار الأحكام وعلى الكاتب المبتدئ ألا
    يلهث وراء تقليد الكبار لأنه سيفشل فروائعهم هي خلاصة لخبراتهم الطويلة ، وعلى المبتدئ ألا يجفل من
    التعبير عن أفكاره الخاصة فالثقة بالنفس هي الأساس ولا بد من القراءة ، وقراءة أولئك الذين يثيرون
    العقل والوجدان .
    4_ ليحصل الكاتب على أفكار لقصصه لابد من الاتجاه إلى الذات الأحلام والطموحات ، نقاط التحول
    في الحياة ، الأزمات الخاصة ووصفها ، قضايا الأقارب والأصدقاء ، المشكلات الاجتماعية
    5_ أخيراً على كاتب القصة القصيرة وغيره من كتاب الفنون الأدبية الأخرى مراقبة الله فيما يكتبون
    وليعلم بأنه مسؤول أمام الله عما يكتب فليتق الله فلا يكتب إلا ما يعود على أمته ونفسه بالخير في
    الدارين .


    منقول



  7. #15
    مراقبة عامة الصورة الرمزية الحلم المستحيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    روح أمي
    المشاركات
    13,349
    معدل تقييم المستوى
    475

    رد: أكــــــاديمية الأدب ..هنا متجدده ..


    " أدب الرحلات "

    إنّ التأصيل لفن " أدب الرحلات " يستلزم الوقوف على عدّة أمور ،

    من أهمّها دراسة المتغيرات التي
    تعرّض لها الرحالة الأدباء ، والوقوف على ما عانوه ، وقاسوه ، ومرّوا به في رحلاتهم ، وما تبع ذلك من تسجيلهم المشاهد التي رأوها ، وما كان يشغلهم من معالم حضارية ، وأماكن تاريخية ، ووقائع ، ولقاءات بالحكام والعلماء ، ومعرفة طباع الشعوب ، كما تلزمه للتأصيل له دراسة ٌموضوعية لكل رحلة على حدة ، وإجراء دراسات نقدية لكتابات الأديب في مجالات أخرى ؛ لنستخلص خصائص أسلوب الرحالة الأديب ؛ ولكن هذه المقالة هي : لمحة عن فن : أدب الرحلات .




    مقدمة :
    أهمية الرحلة تكمن في كونها : اليد التي تمتد لتقرّب شعوبا تناءت عن شعوب ، وأقوما إلى أقوام ، تفصل بينها البحار والقفار ، وسبحان القائل :
    " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "

    على أنّ ثمار الرحلة لا تتوقف عند التعارف ، أو صقل الشخصية ، أو كشف طباع الشعوب ؛ لكنّها تجود بمكاسب علمية وأدبية يتعذر حصرها ، ورغم اختلاف دوافع السفر من إنسان لآخر ؛ فإنّ الرحلة عبارة عن سلوك إنساني يؤتي ثماره النافعة على الفرد وعلى الجماعة ، فليس الشخص بعد الرحلة هو نفسه قبلها ، وليست الجماعة بعد الرحلة هي ما كانت عليه قبلها ، يقول " أبو الحسن المسعودي " : " ليس من لزم جهة وطنه وقنع بما نمى إليه من الأخبار من إقليمه كمن قسّم عمره على قطع الأقطار ، ووزّع بين أياّمه تقاذف الأسفار ، واستخراج كلّ دقيق من معدنه ، وإثارة كلّ نفيس من مكمنه . " .



    أدب الرحلات :
    نوع من أنواع النثر العربي ، وُجد في أدبنا العربي منذ القرن التاسع الميلادي ، و تقوم موضوعاته على الرحلات ، ويُكتب بلغة أدبية خاصّة لها خصائصها التي تميّزها عن التسجيلات الجغرافية التي تتصف بالأسلوب العلمي ، وتبتعد عن الأسلوب الأدبي .

    أدب الرحلات : يعنى أساسا بالرحلات الواقعية ذات المُحددات المكانية والزمانية ، سواء جرت فوق الأرض ، و في أعماق البحار ، أو في السماء ، ولا يعنى أدب الرحلات بالرحلات الخيالية ؛ بل يعني بالواقعية فقط .

    تنجلي القيمة الأدبية للرحلات - فيما يقول د. حسني محمود حسين - فيما تعرضه موادها من أساليب ترتفع بها إلى عالم الأدب ، وترقى بها إلى مستوى الخيال الفني .



    أوضح ما يميز أسلوب أدب الرحلات :
    تنوّع الأسلوب من السرد القصصي إلى الحوار إلى الوصف ، وغيره ، فإنّ أبرز ما يميزه هو أسلوب الكتابة القصصي المعتمد على السرد المشوق بما يقدّمه الأديب من متعة ذهنية كبرى ؛ ممّا حدا بالدكتور " شوقي ضيف " إلى اعتبار أدب الرحلة عند العرب : " خير رد على التهمة التي طالما اُتّهم بها الأدب العربي ، تهمة قصوره في فن القصة . "وقد أفاد أدب الرحلة بغنى موضوعاته في صرف أصحابه في غالب الأحيان ، عن اللهو والعبث اللفظي ، والتكلّف في تزويق العبارة ؛ إيثارا للتعبير السهل المؤدي للغرض لنضج تجربة الأديب ، مما يفتقده كثير من الأدباء والمحترفين في عصورنا الأدبية .

    فأدب الرحلات يتميّز بوضوح الحس القصصي في سرد الأحداث و اختيارها ، وامتلاك ناصية السرد ، والرواية ، والقدرة على جذب انتباه القارئ وحُسن ختام كل موقف بشكل ممتع ومثير .


    شروط يجب توفّرها في الرّحالة الأديب :
    رغم اختلاف الرحالة الأدباء فيما بينهم في كل من : دقة الملاحظة ، درجة الاهتمام ، نوعه ، درجة الصدق والأمانة ، تنوّع فهمهم للأمور تحت الظروف المتغايرة التي يخضعون لها ؛ لكن يجب أن تتوفّر فيهم صفات ، هي :
    1- قوة الملاحظة
    2- حب التطلع
    3- يقظة الحواس
    4- حب المحاورة
    5- الرغبة في التحصيل
    6- الحرص على تدوين وتسجيل ما يشاهده في رحلته ، وما يعلق بذهنه من نوادر الأخبار ، وما يلقاه من
    معاملات الناس ، وعدم الاكتفاء بالاعتماد على الذاكرة ِلمَا قد ينتاباها من نسيان أو عدم قدرة على وصف كل ما المشاهد ؛ لكثرة الأماكن واتساع المدى الزمني .


    أشهر الرّحالة العرب :
    رحالة القرن الثالث الهجري :
    محمد بن موسى ، سليمان التاجر ، اليعقوبي ، ابن الفقيه
    رحّالة القرن الرابع الهجري :
    قدامة بن جعفر ، المسعودي ، المقدسي ، المهلبي
    رحالة القرن الخامس الهجري :
    البيروني ، ابن بطلان ، أبو عبيد البكري
    رحالة القرن السادس الهجري :
    الإدريسي ، أبو حامد الغرناطي ، ابن جبير
    رحالة القرن الثامن السابع الهجري :
    البغدادي ، ياقوت الحموي ، العبدري
    رحالة القرن الثامن الهجري :
    ابن بطوطة ، ابن خلدون


    أشهر الرّحالة العرب ، مع عرض نموذج لكتاباته :

    ابن بطوطة
    هو : محمد بن عبد الله بن محمد الطنجي عرف بابن بطوطة ( وُلد في السابع عشر من رجب سنة 703هـ ، الموافق الرابع عشر من فبراير سنة 1304م ) هو رحالة ومؤرخ وقاض وفقيه مغربي ، لُقّبَ بأمير الرحالين المسلمين .
    رحلته :
    أقدم ابن بطوطة على رحلة طويلة ، طاف خلالها معظم البلاد المسكونة من الكرة الأرضية والمعروفة في ذلك الوقت وقبل سبعة قرون ،
    ما عدا بعض البلدان الأوربية .يضم كتابه الحافل المُسمّى " تحفة النّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار
    " تفاصيل رحلته التي بدأت سنة 725هـ من أقصى الشمال الغربي " طنجة " حيث سار " راكبا الجمال دون شك "
    مخترقا بلاد الساحل والشمال الإفريقي كلها ، المغرب والجزائر وتونس وليبيا حتى وصل مصر فزارها وطاف مدنها ،
    ثمّ اتجه إلى بلاد الشام فالحجاز حيث أدّى فريضة الحج ، وسافر منها إلى العراق ودخل إيران ،
    وعاد ليحج مرة ثانية ثمّ قصد اليمن والصومال وعاد إلى ظفار وعمان والبحرين ، ثمّ حج ثالثة ،
    وعاد إلى مصر ثمّ الشام والعراق ومضى إلى القسطنطينية " قبل فتح الأتراك لها " ثمّ بلاد البلغار مرورا ببلاد الظلمة " القطب الشمالي "
    وبلاد القرم ، وخوارزم ، وبخارى ، وأفغانستان ، والهند ، والصين ، وجزر المالديف ، وسيلان ، وبلاد البنغال وجاوة وسومطرة والملايو .

    نموذج لكتاباته :
    ذكر أهل الهند الذي يحرقون أنفسهم بالنار :
    " رأيت الناس يهرعون من عسكرنا ، ومعهم بعض أصحابنا. فسألت ما الخبر ؟ فأخبروني أن كافراً من الهنود مات ،
    وأججت النار لحرقه ، وامرأته تحرق نفسها معه. ولما احترقا جاء أصحابي وأخبروا أنها عانقت الميت حتى احترقت معه.
    وبعد ذلك كنت في تلك البلاد أرى المرأة من كفار الهنود متزينة راكبة، والناس يتبعونها من مسلم وكافر، والأطبال والأبواق بين يديها،
    ومعها البراهمة، وهم كبراء الهنود. وإذا كان ذلك ببلاد السلطان استأذنوا السلطان في إحراقها فيؤذن لهم فيحرقونها.
    ثم اتفق بعد مدة أني كنت بمدينة أكثر سكانها الكفار تعرف بأبجري ، وأميرها مسلم من سامرة السند، وعلى مقربة منها الكفار العصاة،
    فقطعوا الطريق يوماً، وخرج الأمير المسلم لقتالهم، وخرجت معه رعية من المسلمين والكفار، ووقع بينهم قتال شديد،
    مات فيه من رعية الكفار سبعة نفر - وكان لثلاثة منهم ثلاث زوجات، فاتفقن على إحراق أنفسهن.
    وإحراق المرأة بعد زوجها عندهم أمر مندوب إليه غير واجب لكن من أحرقت نفسها بعد زوجها أحرز أهل بيتها شرفاً بذلك،
    ونُسبوا إلى الوفاء، ومن لم تحرق نفسها، لبست خشن الثياب، وأقامت عند أهلها بائسة ممتهنة لعدم وفائها.
    ولكنها لا تكره على إحراق نفسها. ولمّا تعاهدت النسوة الثلاث اللائي ذكرناهن على إحراق أنفسهن،
    أقمن قبل ذلك ثلاثة أيام في غناء وطرب وأكل وشرب، كأنهن يودعن الدنيا. ويأتي إليهن النساء من كل جهة.
    وفي صبيحة اليوم الرابع أتيت كل واحدة منهن بفرس فركبته، وهي متزينة متعطرة، وفي يمناها جوزة نارجيل تلعب بها،
    وفي يسراها مرآة تنظر فيها وجهها، والبراهمة يحفون بها، وأقاربها معها، وبين يديها الأطبال والأبواق والأنفار.
    وكل إنسان من الكفار يقول لها: أبلغي السلام إلى أبي أو أخي أو أمي أو صاحبي، وهي تقول: نعم، وتضحك إليهم.
    وركبت مع أصحابي لأرى كيفية صنعهن في الاحتراق. فسرنا معهن نحو ثلاثة أميال، وانتهينا إلى موضع مظلم كثير المياه والأشجار متكاثف الظلال،
    وبين أشجاره أربع قباب، في كل قبة صنم من الحجارة. وبين القباب صهريج ماء قد تكاثفت عليه الظلال، وتزاحمت الأشجار فلا تتخللها الشمس.
    فكان ذلك الموضع بقعة من بقع جهنم، أعاذنا الله منها. ولما وصلن إلى تلك القباب، نزلن إلى الصهريج، وانغمسن فيه، وجردن ما عليهن من ثياب وحلي، فتصدقن به.
    وأتيت كل واحدة منهن بثوب قطن خشن غير مخيط، فربط بعضه على وسطها، وبعضه على رأسها وكتفيها. والنيران قد أضرمت على قرب من ذلك الصهريج،
    في موضع منخفض، وصب عليها روغن كنجت " كنجد "، وهو زيت الجلجلاان فزاد في اشتعالها. وهنالك نحو خمسة عشر رجلاً بأيديهم حزم من الحطب الرقيق،
    ومعهم نحو عشرة بأيديهم خشب كبار، وأهل الأطبال والأبواق وقوف ينتظرون مجيء المرأة ، وقد حجبت النار بملحفة ، يمسكها الرجال بأيديهم لئلا يدهشها النظر إليها.
    فرأيت إحداهن لما وصلت إلى تلك الملحفة، نزعتها من أيدي الرجال بعنف وقالت لهم: مارا ميترساني ازاطش " آنش " من ميدانم أواطاش است رهكاني مارا؛ وهي تضحك،
    ومعنى هذا الكلام : أ بالنار تخوفونني ؟ أنا أعلم أنها نار محرقة. ثم جمعت يديها على رأسها خدمة للنار، ورمت بنفسها فيها. وعند ذلك ضربت الأطبال والأنفار والأبواق، ورمى الرجال ما بأيديهم من الحطب عليها، وجعل الآخرون تلك الخشب من فوقها لئلا تتحرك، وارتفعت الأصوات وكثر الضجيج. ولما رأيت ذلك كدت أسقط عن فرسي لولا أصحابي تداركوني بالماء. فغسلوا وجهي وانصرفت. وكذلك يفعل أهل الهند أيضاً في الغرق. يغرق كثير منهم أنفسهم في نهر الكنج ، وهو الذي إليه يحجون. وفيه يرمى برماد هؤلاء المحرقين. وهم يقولون: إنه من الجنة. وإذا أتى أحدهم ليغرق نفسه يقول لمن حضره " لا تظنوا أني أغرق نفسي لأجل شيء من أمور الدنيا أو لقلة مال، إنما قصدي التقرب إلى كُساي، وكُساي " بضم الكاف والسين المهمل " اسم الله عز وجل بلسانهم، ثم يغرق نفسه. فإذا مات أخرجوه وأحرقوه ورموا برماده في البحر المذكور.


    ----------


    المراجع :
    1- أدب الرحلة في التراث العربي - فؤاد قنديل
    مكتبة الدار العربية للكتاب - الطبعة الثانية 2002 م
    2- أدب الرحلة عند العرب - المكتبة الثقافية - د. حسني محمود حسين
    335 الهيئة العامة للكتاب - القاهرة 1976 م

    منقول

    ألقاكم على خير بإذن الله


  8. #16
    مراقبة عامة الصورة الرمزية الحلم المستحيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    روح أمي
    المشاركات
    13,349
    معدل تقييم المستوى
    475

    رد: أكــــــاديمية الأدب ..هنا متجدده ..

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أقدم لأخوتنا الشعراء أو الراغبين بتعلم علم القوافي لضبط شعرهم من خلل القوافي هذا البحث المختصر مجموعاً من مجموعة الكتب العروضية المعتمدة في هذا الباب، ولا أطلب أجراً عليه سوى الدعاء لعل الله يرحمني يوم العرض عليه.

    عِلْمُ القَوَافي



    التعريف :
    هو العلم أو البحث الذي يتناول دراسة قافية القصيدة ويحددها ويصنف نوعها ومدى صحتها ويكشف عيوبها إنْ وجدت .
    القافية :
    هي الحروف المحددة في نهاية البيت الشعري المقفى ، وقد جاءت لها تعاريف متعددة : أوثقها تعريف الخليل بن أحمد الفراهيدي (ما بين ساكنين مع المتحرك قبلهما ) ثم الأخفش (الكلمة الأخيرة من البيت). وذكرت تعريفات أخرى دون ذلك ، منها الحرف الأخير من القصيدة ومنها حرف القافية مع ما قبله.. وبما أن تعريف الخليل أقربها صحة لأنه يحقق وزنا موسيقياً فسنبينه بالأمثة ليصبح واضحاً.
    نقول تحتسب القافية بحسب الخليل بن أحمد الفراهيدي بين آخر ساكنين مع حرف متحرك قبلهما ، مثال :
    من أي عهد في القرى تتدفق ؟ ..... وبأي كفٍّ في المَدائن تغدقُ
    القافية هنا هي كلمة تُغْدِقُ فهي محصورة بين ساكنين (غْدِقوْ) والحرف قبلهما (تُ). أي يتحقق فيها تعريف الأخفش.
    وقد تكون القافية جزءاً من الكلمة الأخيرة ، أو أن تتطلب أكثر من الكلمة الأخيرة . مثال الحالة الأولى :
    يزِلُّ الغلام الخفُّ عن صهواته ... ويلوي بأثواب العنيف المُثَقَّلِ
    فالقافية هنا : ثَقَّلي =ثَقْقَلِيْ
    مثال الحالة الثانية :
    لا تعجبي يا سلم من رجلٍ ... ضحك المشيب برأسهِ فبَكى
    القافية هنا : هِيْ فَبَكَىْ
    سبب التسمية :
    قيل لأنها تقفو أثر كل بيت . وقيل لأنَّ معناها المقفُوَّة أي أن الشاعر يقتفي في نهاية أبياته طريقة انتظامها فيتبعها بمثلها نظماً .. وأصل القافية في اللغة قفا الرقبة .
    أسماء الأحرف التي يمكن أن تشكل القافية :
    أولاً- الرَّويُّ :
    قيل أنَّ معنى اسمه بسبب تفكر الشاعر به قبل اعتماده كأساس للقافية ، وقيل أنه من الرواء وهو الحَبْلُ الذي يشد به رحل البعير فيثبته . ويجمع الرَّوِيُّ على رويَّات . وعلى أية حال فهو الحرف الذي تعتمد عليه القصيدة في بناء نهاية بيتها وتنسب إليه فيقال القصيدة رائية أو ألفية أو همزية أو لامية ... بحسب حرف رويها .
    ومثاله : حرف القاف في القافية تغدق التي مرت سابقاً . (الحرف الأخير من البيت)
    وإنَّ جميع أحرف الهجاء تصلح أن تكون روياً باستثناء الحالات التالية :
    1- حروف المَدِّ ( حروف العلة من حركة تناسبها للحرف قبلها) وهي بعد حرف الروي تستخدم لإشباع الحركة وإطلاقها . فمثلاً لو جاءت كلمة خيامُ في آخر البيت فالقافية (يامو) ولا يعتبر الواو روياً بل حرف الروي هو الميم .
    2- النون التي ليست من بنية الكلمة كنوني التوكيد ونون النسوة ونون التنوين و(نا) الضمير ..
    3- هاء التأنيث الساكنة (مثل ورده) ، وهاء السكت مثل (جمعهُنَّهْ)
    4- هاء الضمير المتصل إذا كان قبلها متحركاً مثل حَصْرِه ، حِجْرِه ..
    5- واو الضمير وياؤه بعد حركة تجانسها مثل اقتلُوا ، اقتلِي..
    ولكن هناك أحرفاً تصلح أن تكون روياً ووصلاً جوازاً مثل :
    أ- واو الضمير وياؤه بعد الفتح (اخشَيْ ، اخشَوْا..) أي في حالة حرف اللين .
    ب- الهاء الأصلية دون مراعاة ما قبلها مثل : التيه ، يشبه ..
    ج- هاء الضمير المتحركة بعد حرف ساكن ولكن وقوعها روياً نادرٌ . مثل قناهُ ، عليْهِ ..
    د- حروف العلة المتحركة : ظبيُ ، أمانيا ، عضوِ)
    ه - الألف الأصلية المنقلبة عن واو أو ياء ( الصبا ، الخطا ، التقى..)
    و- الياء الأصلية الساكنة المكسور ما قبلها كياء المنقوص مثل : القاضي والياء في يرمي .. ولكن وقوعها روياً نادر .
    ز- تاء التأنيث المتحركة أو الساكنة مثل فتاة ، قامت)
    ح- كاف الخطاب ، ولكن الأفضل أنْ يلتزم الشاعر الحرف السابق لها مثل : كتابك ، شرابك ..
    ط- الواو الأصلية المضموم ما قبلها مثل : يدعُو ، يغزُو ..)
    ي- ميم الجمع ، إذا وقع قبلها الهاء أو الكاف مثل : لديهم ، عندكم ..)
    ك- ياء النسب المخففة ، وأما المشددة فهي الروي .
    واعلم أنه لا يدخل بعد حرف الروي إلاَّ حرفُ الوصلِ أولاً كالألف الزائدة وهاء الضمير الساكنة ..(سائلُه) وهاء التأنيث (داهيه) وهاء السكت (ماهيَه) وها الخروج وهما لا يحسبان روياً .
    ثانياً : حرفُ الوَصْلِ
    هو حرف المد أو الهاء بعد الروي المتحرك ، ويجمع على وُصول . وهو
    الحرف الناجم عن إشباع حركة حرف الروي ، عليكمُ تُقْرَأ : عليكمُو ، رحماكَ تُقْرَأ رُحْماكَا.. فالواو والألف الأخيرتين هي حرف وصل للإشباع .
    وقد تكون الهاء ساكنة (نُحاربُهْ) أو متحركة من مثل ( يحسنونهُ ، نعلهِ)..
    ومن هذه الشاكلة هاء التأنيث : داهِيَه وهاء السكت : هِيَهْ .
    وقد يكون الوصل ضميراً غير الهاء (كالكاف) إذا التزم الشاعر حرفاً للروي قبله مثل : استودعك .. أطلعك..
    ثالثاً حرف الخروج :
    هو حرف مد يلي هاء الوصل نتيجة إشباع حركتها مثل يحسنونهو أو نعلِهي..
    رابعاً الرَّدِفُ :
    هو حرف مد (ألف أو واو أو ياء) إذا كانت الحركة قبله من جنسه ، أو حرف لين (حروف المد قبلها مفتوح غير الألف) ويقع قبل الروي مباشرة . ويجمع على أرداف .
    مثال : الحالُ .. مشيبُ .. دروبُ
    مثال حرف اللين : البَيْنُ – العَيْنُ ..
    ويجوز الجمع بين حرفي ردف الواو والياء في قوافي القصيدة الواحدة إذا كانت مدية وليسا حرفا لين .
    وإنَّ التزام الردف واجب في أضرب بعض البحور . كالضرب المحذوف من البحر الطويل (فَعولُن) والمقطوع من الرجز مَفْعُولن .. والمقطوع من الكامل (فَعِلاتُن) وهو غالب أو مستحسن في أضرب أخرى كضرب البسيط : فَعْلُن
    خامساً : التأسيسُ
    هو ألف تسبق الروي بينهما حرف واحد متحرك يسمى الدَّخيل (المندخل) ويجمع التأسيس على تأسيسات . كالألف في راحِم أو جاهِل..
    ويشترط أن يكون التأسيس في كلمة الروي نفسها كما سبق ، إلاَّ إذا كان الروي ضميراً بشروطه فيجوز أن يكون التأسيس عندئذ في كلمة أخرى مثل : ...أيقنت أنْ لا أخا لِيَا
    فالروي هنا الياء وهي ضمير والألف من كلمة أخا تأسيس .
    سادساً : الدخيلُ
    هو الحرف المتحرك الذي يقع بين التأسيس والروي كالهاء في جاهل والحاء في راحم .. والكاف في الكواكب .. ولا يشترط التزام الدخيل في القصيدة الواحدة وهو وحده من بين أحرف القافية له هذه الصفة.
    ملاحظات :
    1- لا يجتمع التأسيس مع الردف في قافية واحدة لأنهما ساكنان فلا يجتمعان . كما يجتمع الردف والدخيل في قافية واحدة .
    2- لا يكون بعد الروي إلاّ حرف وصل (إذا وجد) أو هاء الخروج ، ولا يحسبان رويين كالألف الزائدة (الإطلاق) وهاء الضمير مثل سائله..
    3- الرويّ أهم حروف القافية وعمادها يسبقه ثلاثة منها ( الردف والدخيل والتأسيس) ويتلوه الوصل والخروج .
    حركات القافية : (القافية المطلقة والمقيدة)
    إذا كان روي الشعر متحركاً سميت القافية مطلقة .
    مثال :
    زانَ الإله محمداً بكرامة .... أزلية وهو الذي يتكرَّمُ
    وإذا كان الروي ساكناً سميت القافية مقيدة .
    خففي يا عبد عني واعلمي .. أنني يا عبد من لَحْمٍ ودَمْ
    ويراد بحركات القافية تلك التي إذا أتى بها الشاعر في أول القصيدة وجب عليه التزامها (في الأصل ولكن يبدو أن المتأخرين غفروها) باستثناء إذا كان الروي مقيداً فله الحركات الثلاث قبله ، كما يستثنى على الأصح حركة ما قبل واو الردف ويائه .
    أسماء الحركات :
    المَحْرى (المُجْرى): (بفتح الميم وضمها)
    وهو حركة الروي المتحرك (المطلق -فتح أو ضم أو كسر-) مثل أزمانُ .. أقلامُ ..
    1- النَّفاذُ :
    حركة هاء الوصل (وحدها دون حرف المد) بعد الروي (فتح أو ضم أو كسر) . ككسرة الهاء في كلمة يَسْبِهِ .
    2- الحَذْوُ :
    حركة الحرف الذي يسبق الردف . كفتحة اللام في كلمة سلام .
    3- الإشباعُ :
    حركة الحرف الدخيل ككسرة الحاء في كلمة راحِمُ
    4- الرَّسُّ :
    حركة ما قبل ألف التأسيس ، ولا تكون إلاَّ مفتوحة . كفتحة الراء في رَاحم
    5- التوجيه :
    حركة ما قبل الروي المقيد (الساكن) كحركة الجيم من كلمة أمْجَدْ . ويجوز أن تكون حركات التوجيه منوعة في القصيدة الواحدة باتفاق.
    كأن يأتي في القصيدة الواحدة : ذِمَمْ .. حُلُمْ
    تصنيف القوافي وأنواعها
    تصنف القافية بحسب حركاتها بين الحرفين الساكنين إلى خمسة أصناف :
    1- المترادفة 2- المتواترة 3- المتداركة 4- المتراكبة 5- المتكاوسة
    1- القافية المترادفة :
    أن يجتمع فيها الساكنان دون فاصل بينهما في نهاية البيت وهو خاص بالقوافي المقيدة التي يقف فيها الشاعر على ساكن . كأن ينتهي بكلمة الصلاةْ أو الدهورْ
    2- القافية المتواترة :
    يقع بين الساكنين حرف واحد متحرك . كأن ينتهي بكلمة : شَمْسِ (شمْسيْ) فبين الساكنين سين مكسورة فقط .
    3- القافية المتداركة :
    أن يقع بين الساكنين حركتان متتاليتان مثل : منْسِلِيْ
    4- القافية المتراكبة :
    اجتماع ثلاث حركات بين الساكنين مثل : الفَرَجِ (الْفَرَجِيْ)
    5- القافية المتكاوسة :
    توالي أربع حركات بين الساكنين ، مثل : زَلَّت به إلى الحضيْضِ قَدَمُهُوْ

    أنواع القوافي
    هناك ستة أنواع للقافية المطلقة ، وثلاثة أنواع للقافية المقيدة .
    أولاً : أنواع القوافي المطلقة :
    1- مجردة من الردف والتأسيس موصولة بلين
    مثل : ... ولم أعطكم بالطوع مالي ولا عِرْضي
    فكلمة عرضي موصولة بالياء وليس لها ردف ولا تأسيس .
    2- مجردة موصولة بهاء :
    مثل : ... وطول عيشٍ قد يضرُّهُ
    3- مردوفة موصولة بلين :
    مثال : ما هذه الدنيا بدار قرارِ (قراري)
    4- مردوفة موصولة بهاء :
    مثال : ... بمنى تأبَّدَ غولها فرجامها
    الروي الميم ، والألف قبلها ردف والهاء وصل والألف بعد الهاء خروج .
    5- مؤسسة موصولة بلين : كقول النابغة
    كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكبِ
    ألف تأسيس ثم الكاف الدخيل والباء روي والياء بعده وصل .
    6- مؤسسة موصولة بهاء :
    .. إلاَّ كواكبها ، الهاء بعد الروي وصل والألف بعدها للخروج والألف قبل الكاف تأسيس .

    ثانياً أنواع القوافي المقيدة :
    1- المجردة : مثل : أن تتم الوعد في شيءٍ نعمْ
    2- المردوفة : مثل للزوالْ .. الصلاةْ
    3- المؤسسة : مثل : راحمْ .. تامرْ
    عيوب القوافي :
    هي العلل وجوانب الضعف التي تصيب القافية بحروفها ويجب على الشاعر أن يتجنبها لأنها تسيء إلى شعره . ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة عيوب :
    1- عيوب الروي أو حركته .
    2- خلل التأسيس ( ما قبل الروي)
    3- كلمة الروي ككل .
    أولاً : عيوب الروي :
    هناك عيوب تصيب الروي (إكفاء وإجازة) وهناك عيوب تصيب حركته (إقواء وإصراف) :
    الإكفاء : هو اختلاف حرف الروي بين بيت وآخر لكن الحروف المختلفة متقاربة المخرج ومتجانسة كأن يكون تارة نون وأخرى لام . وكذلك الحاء والخاء والسين والصاد ..
    الإجازة : الاختلاف في حروف الروي بحروف متباعدة المخارج وغير متجانسة ، كالباء مع اللام . والدال مع القاف . واللام مع الميم .
    الإقواء : اختلاف حركة الروي (المجرى) بين كسر وضم فقط فيكون روي أحد البيتين مكسوراً والآخر مضموماً ..
    الإصراف : اختلاف حركة الروي (المجرى) بين فتح وضم فقط فيكون روي أحد البيتين مفتوحاً والآخر مضموماً أو فتح وكسر..
    ثانياً : عيوب السناد (ماقبل الروي)
    هو اختلاف حركات ما قبل الروي . ومنه خمسة أنواع :
    اثنان باعتبار الحروف وهما سناد الردف وسناد التأسيس .
    وثلاثة باعتبار الحركات ، وهي سناد الإشباع وسناد الحذو وسناد التوجيه .
    1- سناد الردف :
    أن يكون أحد البيتين مردوفاً والآخر غير مردوف .
    2- سناد التأسيس : أن يكون أحد البيتين مؤسساً والآخر غير مؤسس .
    3- سناد الإشباع : اختلاف حركة الدخيل (الحرف بين التأسيس والروي)
    4- سناد الحذو : وهو اختلاف حركة ما قبل الردف .
    5- سناد التوجيه : وهو اختلاف حركة ما قبل الروي المقيد كالجمع بين : بَعُدْ وصَعِدْ وقَعَد .. وهذا السناد أجازه العَروضيون لكثرة وقوعه في أشعار العرب . فاستثنوه مما يجب مراعاة حركاته من حركات القافية .
    ثالثاً : عيوب كلمة الرويّ
    وتقع في آخر البيت من كلمة القافية وهي :
    1- الإيطاء : وهو إعادة ذكر كلمة الروي بنطقها ومعناها مرة ثانية في القصيدة من غير فاصل أقله سبعة أبيات .
    2- التضمين : أن تكون كلمة الروي أو قافية البيت مرتبطة بمعناها بما سيأتي من أبيات ، أي غير مستقلة ولا يفهم معناها إلاَّ بالبيت الذي يوضحها وترتبط به . ومنه قول النابغة الذبياني :
    وهم وردوا الجفار على تميم ... وهم أصحاب يوم عكاظ إني
    شهدت لهم مواطن صادقات ... شهدن لهم بصدق الود مني
    فعلق لفظة إني من البيت الأول بالبيت الثاني لأن جملة شهدت لهم خبر إنَّ ، فاتصل آخر البيت الأول بصدر البيت الثاني وهو مردود .
    ويتساهل البعض حول ذلك من المولدين إذا كان في البيت الأول بعض المعنى لكنه يفسر بما بعده .
    وأما ربط شيء من البيت (غير القافية) بما بعده فليس تضميناً لأنه لا يشعر صراحة بأن البيت الأول متعلق بالتالي أو ما بعده .
    هذه أشهر عيوب القوافي . والجائز المغتفر منها للمولدين : الإيطاء والتضمين والسناد بأقسامه .
    وما عدا ذلك لا يجوز للمولدين استعماله كالإكفاء والإقٌواء والإجازة والإصراف .
    وأشد هذه العيوب قبحاً الإجازة فهي أقبح من الإكفاء والإصراف .

    عن كتابي أساس الشعراء/ الدكتور ضياء الدين الحماس



    منقول للفائدة

    ألقاكم على خير

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. دليلك للفصل الدراسي الثاني (تحاضير - توزيعات - اوراق عمل مواضيع متجدده
    بواسطة عصفورة المنتدى في المنتدى الصف الأول متوسط الفصل الثاني
    مشاركات: 26
    آخر مشاركة: 05-05-2013, 02:36
  2. إذا رايت نيوب الليث بارزة فلا تحسبن ان الليث يبتسمُ
    بواسطة مها222 في المنتدى الساحة العامة
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 04-02-2012, 09:55
  3. اللي يعرف الليث الليث وقراها يدخل
    بواسطة خفوق الشمس في المنتدى منتدى حقوق المعلم والمعلمة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-10-2011, 11:11
  4. ترقية الأخت رحيق الأدب إلى إدارية .. الف مبروك !
    بواسطة الشاهين في المنتدى رياض الإخاء والمودة
    مشاركات: 32
    آخر مشاركة: 12-04-2010, 21:47

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •