نحو إستراتيجية تعليمية جديدة

ثارت ثائرة كثير من الكُتَّاب والمُثقّفين والمهتمين بالشأن العام، على خلفية وجود درس يُحذِّر مما يُسمَّى (بخطر الابتعاث) ضمن أحد المقررات الدراسية.بصراحة .. لم أفهم سرّ هذه الضّجة والغضبة التي جاءت على إثر الدرس المشار إليه آنفاً. في اعتقادي أن القضية أكبر بكثير من قضية مقرر أو منهج دراسي خاص بمادة ما. وحصر القضية في هذا الإطار الصغير والحيز الضيق؛ هو تسطيح للمشكلة وتبسيط مخلّ لقضية التعليم التي كانت ولا تزال إحدى أهم القضايا وأخطر الملفات التي يجب إعادة فتحها من جديد.هناك مشكلة حقيقية وكبيرة وشاملة في العملية التعليمية، وحصر النقد في درس واحد فقط يعني الموافقة على كل ما تتضمنه المناهج الدراسية الأخرى باستثناء الدرس المذكور.في رأيي أن المشكلة ناتجة عن عاملين رئيسيين. الأول: هو عدم توافر خطوات فاعلة لإخضاع المناهج الدراسية للفكر الإصلاحي وتنقيتها من كل شوائب الغلو والتطرف. وهذه مشكلة تعليمية واجتماعية وأمنية أيضاً، على اعتبار أن مجتمعنا ودولتنا كانا من أكبر المعانين والمهددين من خطر الإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).العامل الآخر الذي ساهم في وجود مشاكل التعليم، هو عدم توافر إستراتيجية وطنية للنهوض بالعملية التعليمية لتلبي حاجات التنمية، ولتؤسس لفكر ومناهج الحداثة التي لا يمكن لأية عملية تنموية أن تنجح بدونها.إننا لم نحدد بعد الغاية من وراء التعليم، ولم نحسم أمرنا حتى الآن فيما يخص طبيعة المخرجات التعليمية وما إذا كانت ستؤدي إلى إعداد جيل كامل من عديمي المواهب، أم أنها تتسع لأغراض حيوية كإعداد وتخريج العلماء وأصحاب التخصصات الفنية والتقنية وباقي الفئات التي تتشكل منها فئة التكنوقراط أو أصحاب الاختصاصات العلمية الدقيقة والعميقة والمتطورة.نحن يا سادة بحاجة إلى إعداد إستراتيجية وطنية لإنقاذ العملية التعليمية ولإنقاذ الطلبة من الفكر التلقيني الكفيل بالقضاء على أي استعداد فطري للابتكار. وهو ما لن يتحقق إلا باللجوء إلى مساعدة المفكرين والمثقفين؛ وخبراء التعليم والتنمية البشرية المنتمين لبلادنا، أو للبلاد العربية والأجنبية.التعليم يحتاج إلى عملية تغيير طموحة وجريئة وشاملة.