توهان خريجات المكتبة والمعلومات

د. محمد عثمان الثبيتي

لا تزال مُعضلة تعيين خريجات أقسام المكتبة والمعلومات تراوح مكانها ، ولا تزال الضبابية تكتنف مستقبل هؤلاء الخريجات اللاتي لا ذنب لهن سوى أنهن انسقن وراء ميولهن وسعين بكل ما أوتين من جهد ووقت لتحقيق رغباتهن ، ولم يدر في خلدهن أن مستقبلهن سيكون بوهيمي الملامح ، وأحلامهن ستتحطم على أعتاب عدم الاكتراث بأهمية تخصصهن العلمي ، بل لم يكنَّ يتوقعن أن يلجأن للمحاكم لكي يطالبن بحقهن في التوظيف بعد أن أُوصدت الأبواب المتمرسة في وجوههن من الجهة التي لمجالهن فيها من الأمكنة الشاغرة والمشغولة بغير المُتخصصات ما يُحقق هدفهن ، ويُلبي طموحاتهن خدمة لوطنهن ولأنفسهن ؛ خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أنهن بذلن الغالي والنفيس في سبيل الحصول على هذا المؤهل الذي اكتشفن بعد تخرجهن أن المكان الملائم لممارسة أبجدياته لا تتجاوز جدران المنزل الذي يقطنَّه .

ليست مُبالغة ما ذكرته آنفاً ، ولكنها الحقيقة التي يجب أن نصدح بها عالياً علَّها تصل عنان السماء ، ويتلطف من بيده حل العقدة من المنشار الرجوع عن رأيه في أن غير المُتخصص لا يُمكن أن يقوم بنفس الدور الذي يقوم به المُتخصص ، الأمر الذي يعني أننا نُهمل الاتجاه العالمي في تخصص التخصص ، ونمارس إقصاءً غير مُبرر للمتخصص الذي سيؤدي دوره المنوط به بوعي وبمواصفات عالية الجودة ، ولكن يبدو أن وزارة التربية والتعليم لها وجهة نظر أخرى لا تتماشى مع أهمية مواءمة طبيعة العمل مع المهارة التي يقوم بها من يؤدي هذا العمل ؛ وإلا كيف يقول وكيل وزارة التربية والتعليم للشئون المدرسية في آخر اجتماع له مع الخريجات : « ما هو شرط تكون أمينة المصادر مُتخصصة بالمكتبات ومراكز المعلومات ، بل هو من حق أي معلمة مهما كان تخصصها « ؟!! وإمعاناً في التجاهل قام سعادته بمغادرة المكان مستنكراً طلبات خريجات المكتبات بأحقيتهن في التوظيف على هذه الوظائف ، ولم يدرِ أنه بكلامه هذا يناقض ما جاء في الدليل الإجرائي المنشور على موقع وزارة التربية والتعليم والذي يصف مهام أمين مصادر التعلم والمنصوص عليها بأن عمله هو : فهرسة وتصنيف وإعارة وبث انتقائي وإحاطة جارية وخدمة مستفيدين وتوظيف التقنية لإدارة المعلومات ، وهذا التوصيف الموجود في دليل الوزارة الإجرائي لا يُمكن أن تقوم بتنفيذه بشكل احترافي مُعلمة مُجتهِدة – مع احترامنا لها وتقديرنا لجهودها – ، بقدر ما هي نفس المُفردات التي درستها المُتخصصات في المكتبات والمعلومات في أقسامهن العلمية بالجامعات وتدربن عليها تحت أسقف المكتبات الجامعية .

الجميل في الموضوع أن خريجات أقسام المكتبة والمعلومات لم يقفن مكتوفات الأيدي أمام تجاهل وزارتي التربية والتعليم والخدمة المدنية التي رمت – الأخيرة – كُرة الثلج في تنور الأولى ، بقدر ما قمن بتصعيد قضيتهن لجهات عُليا رقابية وتشريعية تمثلت في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، وحقوق الإنسان ، ومجلس الشورى الذي أصدر بدوره توصيتين بضرورة إلغاء تعميم سابق صدر عن وزارة التربية والتعليم يحمل الرقم 18 /2ع / 1 ت في 8 / 1 / 1422هـ ، يُخوِّل المدارس بإسناد تدريس مادة المكتبة والإشراف عليها لمعلمات اللغة العربية ، بل والغريب في الأمر هو إيفاد غير المُتخصصات للحصول على دبلوم في مصادر التعلم ؛ مما يُكلف الوزارة جدولاً فارغاً طوال فترة الإيفاد ، ويزيد من الأعباء المالية جراء ما يترتب على من حصل عليه بالمطالبة بدرجة إضافية في السُلم الوظيفي ، في الوقت الذي يُمكن القضاء على مثل هذا الهدر بتوظيف المُتخصصات في هذا المجال ، وكفى الله المؤمنين القتال